البرلمان -أي برلمان- هو مؤسسة التشريع والرقابة على الأداء التنفيذي.. احترام البرلمان هو احترام للدولة وللمؤسسية، وتجاهل البرلمان وطلبات الاستدعاءات التي تصدر عنه في مواجهة الوزراء والمسؤولين يعتبر جريمة حقيقية بكل المقاييس.. وهو جريمة لأنه يعني عدم احترام إحدى أكبر مؤسسات الدولة.. وجريمة لأن الغائب الذي لا يلبي دعوة البرلمان للمساءلة يعني أنه غير مبالٍ بشيء.. وجريمة لأنه يعني أيضاً أن شبهات فساد أو غيره تحيط بمن لم يلبِ دعوة البرلمان للمثول أمامه. قضية التقاوي الفاسدة ستكون إحدى قضايا العصر في السودان، ورشحت معلومات من داخل المجلس الوطني أن تجاوزات خطيرة قد حدثت في تلك القضية، وأن لجنة الشؤون الزراعية بالمجلس أعدت تقريراً خطيراً ضمنته كل تلك التجاوزات. غاب وزير الزراعة الدكتور المتعافي، وغاب وزير الدولة بالوزارة وتركوا قاعة البرلمان تموج بالاحتجاجات الصاخبة والهرج والمرج بسبب هذا التجاهل.. وتخرج وزارة الزراعة بالأمس لتقول عبر بيان للصحف إن الوزارة لم تتلقَ دعوة من البرلمان بمثول الوزير أو وزير الدولة أو بمثول أي مسؤول أمام المجلس الوطني. تفاصيل القضية تتضح بداية من العقد الموقع بين البنك الزراعي وبين شركتين استوردتا التقاوي موضوع (الفساد)، بما يعني أن العقد نفسه كان عقداً فاسداً، لأن التوقيع تم مع شركتين تمت تزكيتهما من إدارة التقاوي رغم ثبات عدم ملكية الشركتين لأي توكيل من الشركات المنتجة، أي أن الشركتين المذكورتين كانتا عبارة عن وسيط (سمسار) يضع ما يشاء من الأرباح والشروط، وقد أدى ذلك إلى فشل الموسم الزراعي الذي أثر بدوره على عجلة الاقتصاد السوداني فتعطلت دورتها. لجنة الشؤون الزراعية في المجلس الوطني لا نحسب أنها تملك إنزال عقوبة محددة على الشركتين المذكورتين، سوى التوصية بحرمانهما من العمل الخاص بالتقاوي، وغاب البنك الزراعي عن تحمل مسؤولياته في التحري والتقصي قبل أن ترسو عطاءاته على الشركتين -إن كانت هناك عطاءات أصلاً- كما غاب عن تحمل مسؤولياته في المتابعة بعد توقيع العقد.. والمراجعة بعد التنفيذ.. أما وزارة الزراعة فهي المسؤول الأول عن كل الذي حدث من خسائر وأضرار لحقت بالموسم الزراعي وبالاقتصاد السوداني. وثبت من خلال التقرير الخطير أن خمسين بالمائة من التقاوي كانت فاسدة وعبارة عن حبوب فارغة.. كيف جاءت.. كيف دخلت.. كيف عبرت الحواجز الجمركية وكيف تجاوزت معايير وضوابط الهيئة السودانية للمواصفات وتجاوزت الحجر الزراعي وقفزت فوق أسوار الرقابة والضبط المعياري، وغطت بيد الفساد السوداء الملطخة عين الحكومة؟؟ المصيبة أن الذي حدث بالأمس قد يحدث اليوم وغداً، وبعد غد، ولو بمختلف الأسماء والمسميات.. ولا عزاء للحالمين بوطن عاتي.. وطن خيّر ديمقراطي.