منذ أن اقتنعت كل أطراف أزمة دارفور ألاَّ بديل للمفاوضات نهجاً للحل السلمي للمشكلة لدواعٍ وطنية وإنسانية، انطلقت قاطرة التفاوض من محطتها الأولى في أبشي مروراً بعدد من المحطات التي ضمت عدداً من الجولات وصولاً إلى منبر الدوحة الذي مازال يراوح مكانه. ثمة اتفاقيات كثيرة في جولات المفاوضات (صرتها) مفاوضات ابوجا التي أفضت إلى توقيع فصيل مني من الفصائل الثلاثة في مائدة المفاوضات، والثلاثة كانت تمثل كل حاملي السلاح من دارفور... في أبوجا تم الاتفاق بين الفصائل الثلاثة والوفد الحكومي، وبالرعاية الاقليمية والدولية على أكثر من 90% من محاور المفاوضات، والمتبقي بترقيم البنود ثلاثة بنود رفعتها الحركتان الرافضتان لابوجا، وتمثل هذه البنود تمثيل دارفور في سدة الرئاسة بمنصب نائب لرئيس الجمهورية.. والبند الثاني التعويضات الفردية والجماعية للمتضررين.. والبند الثالث عودة الإقليم لدارفور في مستوى حكم بين الحكومة الاتحادية والولايات. إن مسألة الإقليم أكثر القضايا التي أفشلت كل المفاوضات بعد ابوجا، ومع أغلب الحركات المسلحة التي تكاثرت، وتطلع للتفاوض من أجل مطالبها عدا بعض الحركات والقيادات، التي لحقت بابوجا، أو تلك التي تصالحت من الداخل، فقد اتخذت موقفاً مغبشاً من مطلب الإقليم. إن أهمية طرح موضوع الإقليم للرأي العام السوداني تأتي من موقف حركة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور سيسي من التوقيع على اتفاقية مع الحكومة، وقد تم ضرب أكثر من موعد لها، وتم توقيع الاتفاق الإطاري للوصول إليها فموقف الحركة من عدم الاستجابة للإقليم موقف مبدئي، عبر عنه رئيس الحركة في ختام المفاوضات التي انسحب منها الوفد الحكومي، الذي رأى أن لا شيء يمكن أن يضاف لما تم التداول حوله السيسي وهو يتوجه إلى مدينة لندن قبل ساعة من رحلته جلس إلى وفده المفاوض والمسهلين والوسطاء، معلناً أنه سوف لن يعود للتوقيع إذا لم تتضمن الاتفاقية قيام إقليم دارفور، معتبراً إن هذا المطلب خط أحمر لا يمكن التنازل عنه. موقف الوفد الحكومي الرافض للاستجابة لمطلب الإقليم وصلاً لموقف وفد ابوجا في المفاوضات السابقة، دفع بالحكومة إلى اللجوء إلى الاتفاقية التي تعتبرها قائمة مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني، وتعلن عن تطبيق بند الاستفتاء الإداري، الذي أشارت له الاتفاقية باستفتاء أهل دارفور بموقف الإقليم الواحد مع وجود الولايات، أو البقاء على الوضع الإداري القائم على ما هو عليه. الإعلان عن عزم اجراء الاستفتاء في نهاية يونيو القادم، فجر عدداً من المواقف الرافضة وسط الفعاليات المعنية بسلام دارفور، فقد بادرت الحركات المسلحة المتواجدة بالدوحة برفض خطوة الاستفتاء واعتبرت موقف الحكومة بمثابة إدارة ظهر للمفاوضات السلمية أيضاً، الوسطاء الاقليميون والدوليون والولاياتالمتحدةالأمريكية أشارت إلى إن خطوة الاستفتاء يجب أن تأتي من طاولة المفاوضات بالدوحة، وفي أوساط المجتمع المدني الداخلي تباينت المواقف حول خطوة اجراء الاستفتاء الإداري، ما بين مؤيد ورافض للخطوة، فالمؤيدون يرددون ذات الأسباب التي ساقها مسئول ملف دارفور، وهو موقف الوفد الحكومي، بينما يرى الرافضون لخطوة الاستفتاء إنها سوف تجهض الجهود المبذولة لجعل الحل شاملاً وتعقد قضية السلام في دارفور. من قراءة المواقف تجاه موضوع الإقليم نجد أن الأطراف المفاوضة الحركات والحكومة- قدمت كل ما لديها من أجل تعزيز موقفها، وفي هذه المساحة نطرح بعض الأفكار التي نرى إنها سوف تساعد في تحريك الجمود الذي قد يقود إلى تدهور الأوضاع مرة أخرى. طرحنا يستند إلى خلفية مهمة هي وحدة السودان، ومن بين ملامح هذه الوحدة الخضوع إلى دستور قومي، ونظام حكم، وإدارة موحدة، والأسباب التي تم طرحها من قبل المسلحين الدارفوريين لاستثناء إقليم دارفور وعودته للإقليم، شبيهة ومطابقة للأسباب والشعارات التي رفعتها كثير من مناطق السودان الأخرى، مثل منطقة جبال النوبة في كردفان، والنيل الأزرق، وشرق السودان، وهي المناطق التي حملت السلاح في وجه الدولة المركزية بحجة التهميش. أيضاً خلفية طرحنا يستند إلى ما تم من نقاش و آراء في ملتقى أهل السودان بكنانة في موضوع مطلب حركات دارفور بعودة الإقليم.. مجمل تلك المناقشات أن عودة نظام الحكم والاقاليم يجب أن تخضع للحوار القومي لكل أهل السودان، وليست لجهة بعينها، وثمة آراء كثيرة الآن في الساحة بعد فصل الجنوب، بعض منها تنادى بضرورة مراجعة نظام الحكم الفدرالي القائم وأجهزة الحكم الولائية وتقليص المناصب الدستورية في جميع مستويات الحكم بدءاً من المستوى الاتحادي وحتى المحليات، وجاءت توجيهات السيد رئيس الجمهورية الأخيرة في هذا الاتجاه. لذا فإن المخرج من عقبة الإقليم ودفع المفاوضات إلى اتفاقية شاملة يتطلب من الحكومة طرح العودة إلى الأقاليم الستة، إلى الحوار القومي في إطار ترتيبات ما بعد انفصال الجنوب، وأن تتواضع الحركات في دارفور إلى الرغبة القومية الوطنية باختيار نظام الأقاليم في إطار السودان الموحد. ولله الحمد ،،،،،،