أمس جاءني طالب جامعي آخر.. نفس القصة والظروف.. فقط الفرق في: الاسم، والتخصص، ولكنها الجامعة، ومشكلة الرسوم، التي استعصت على الحل. قلت له ماذا سنفعل؟ لا نستطيع أكثر من ذلك. النشر في الصحف لا يجدي.. وزميلك الذي سبقك، هيأ الله لي ذلك الطبيب الإنسان، الذي انزعج عندما كتبنا اسمه، حتى إنه رفض أن يأتي الطالب بنفسه، ليتسلم القروش، بل قال لنا ابعثوا لي من يتسلم المبلغ كاملاً ، حتى لحظة الامتنان والشكر لا يريدها، فالجزاء عند الله وحده. ودعت الطالب بنظرات حزينة وقلة «حيلة» وهو يغادر مكتبي بكل «الانكسار» و«خيبة الرجاء». تخيلت والده المعاق، وحلمه بدراسة الزراعة، قلت في نفسي: ربما يتذكر ذات يوم وهو بين الحقول هذا المشهد، قلت ايضاً من يجنب أبناءنا ذُل «المسكنة» والانكسار؟.. نحن درسنا وتعلمنا بكل عز وكبرياء، فالدولة كانت تقوم بالواجب تماماً للفقير وللمحتاج، والآن عرفنا سر التراجع الأكاديمي المخيف، وهذه المستويات المتدنية في كل مراحل التعليم، لقد انسحبت الدولة من أمر التعليم، وتركته نهباً للضياع، الآن يا سادتي مشكلة الرسوم الدراسية ومصاريف الدراسة أصبحت أمراً مقلقاً، ولغة شكوى يومية تدور بين مكاتب الصحف، القصة أكبر من الحلول «الفردية»، وأكبر من طاقة«فاعلي الخير»، يجب علينا البحث عن حلول لهذه المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي أعيت الآباء والأمهات والطلاب، الذين يظلون يدورون في حلقات مفرغة، نحن نعرف أن الجامعات نفسها تشكو وتعاني، فالميزانيات شحيحة، والمصروفات هائلة ومتجددة، في ظل التراجع الرأسي في أعداد المقبولين للجامعات والمعاهدالعليا، ولكننا مع ذلك نقول: يجب ألاّ يضار طالب بسبب الرسوم، وعلينا «إنتاج» الكثير من الحلول الممكنة، لمساعدة مثل هذه الفئات الضعيفة، والمحتاجة، فماذا يضير الجامعة إذا وافقت على مبدأ التقسيط المريح، والطويل الأجل؟ ولماذا لا تفكر كل جامعة -وهي لا تخلو من مفكرين وعلماء- في إنشاء صندوق لدعم وتمويل مثل هذه الحالات الإنسانية؟ أنا في غاية الأسى وأنا أسترجع الآن النظرة الكسيفة، التي تجمعت في عيون الطالب، الباحث عن رسوم دراسته. القصة أكبر من الفلوس صدقوني. ارفعوا شعار الكرامة مقابل الرسوم.