منذ عامين يجلس ماركيز كل صباح إلى طاولته أمامه أوراق بيض، وفي يده قلم في انتظار الوحي، ولكن الوحي لا يأتي! مجلة (باري ماتش) الفرنسية زارته في بيته للإجابة على سؤال التوقف عن الكتابة، وأجرت معه حواراً ترجمه الأستاذ صلاح مطر، فكانت اعترفات ماركيز مبدع العمل الروائي الخالد (مائة عام من العزلة) التي مازج فيها الحاضر بالماضي، الخيال بالواقع، وتفرد بأسلوب شعري ساخر، غائراً في عمق النفس البشرية كاشفاً أنها يمكن أن تنحدر إلى أقصى درجات الشر أو تسمو إلى أعلى مراحل الخير، ولعل هذا العمل هو الذي أهله لجائزة نوبل عام 1982. رغم أن كولمبيا هي عاصمة ماركيز ومركز محبته، إلا أنه يعيش متنقلاً بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك محاولاً أن يصطاد عصافير الإلهام التي كفت عن التحليق بأجنحة الإبداع، فتوقف قلمه الكبير عن الكتابة وظل حبره السيّال أسير غمد القلم! رغم أن ماركيز اشتهر بأنه ساحر النساء، ويعرف كيف يتسلل لهن، إلا أن (مرسيدس) زوجته ظلت ملازمة له لأكثر من خمسين عاماً، مرسيدس التي (صرفت غويشاتها) لتطبع له روايته (مائة عام من العزلة) التي درَّت عليه ملايين الدولارات، ورغم ملايينه إلا أنه لا يحمل دفتر شيكات ولا أموالاً في جيبه ولا بطاقة ائتمانية! ماركيز بعد أن هجرته الكتابة تفرغ لسماع الموسيقى من الصباح حتى أوان نومه، وأهدى كل كتبه لإصدقائه، وحسب قوله للمجلة إنه الآن يؤمن بأنه لم يعد مهماً بأن نكتب كتباً أو أن ننظر في الساعة لنعرف الوقت!!! ماركيز يعرف معظم أمهات لغات العالم ورغم أنه لم يدرس الإنجليزية ولا تحدث بها، لأن دراستها والتحدث بها كان جريمة لا تغتفر إبان وجوده عضواً بالحزب الشيوعي الكولمبي، إلا أنه يقرأها بسهولة وسرعة !! ماركيز راضٍ عن حياته وعن تجاربه السياسية، لكنه يتمنى أن يعود به الزمان للوراء ليرتد شاباً يغازل صبايا المكسيك، لكنه يعلم أن ذلك هو المستحيل لذا فهو يكتفي بترديد بيت ود الرضي : الله يكبرن .. الكبرني وسمحن ورغم تغير مواقفه السياسية، إلا أن علاقته بكاسترو ظلت دائمة وغير منقطعة، وكذلك يستشيره الرئيس الكولمبي في القضايا السياسية كافة. هكذا يجلس الآن ماركيز مع زوجته في انتظار الوحي لتسطع من جديد إشراقاته الواقعية السحرية.