الوصية الصادقة للشامة العُمَرية: (إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك)، فهذا الجهاد يحتاج أيضاً إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه وحصل له النصر والظفر، وملك نفسه، فصار ملكاً عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبداً ذليلاً أسيراً في يد شيطانه وهواه. إن هذا الموضوع الذي نحن بصدده الآن يعد واحداً من أخطر المواضيع التي تمس واقع الشباب وتهمهم، لأنه إذا آتى ثماره، فإن هذا سيمثِّل نقلة بعيدة في حياته الكثير من الشباب، إن ما أتحدث عنه، هو كيف يربي الشخص نفسه؟.. فالحديث عن تربية النفس وترويض الذات من الأهمية بمكان، لماذا؟.. لأن أول المسؤوليات هي مسؤولية الشخص أمام نفسه، ومن هنا كان حري بالشخص أن يعتني بتربية نفسه وإصلاحها، والسعي لما فيه سعادتها بإذن الله في الدنيا والآخرة. ماذا نقصد: ما المقصود بالضبط بتربية الذات؟.. والإجابة عن هذا السؤال تكمن في أننا حينما نتحدث على وجه العموم عن تربية الذات، أو على وجه الخصوص عن دور الشاب في تربية نفسه ،فإننا نقصد بها ذلك الجهد الذي يبذله الشاب من خلال أعماله الفردية، أو من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية نفسه، فهي تتمثل في شقين: الأول: جهد فردي بحت يبذله الشاب لنفسه، والثاني: جهد فردي يبذله من خلال تفاعله مع برامج عامة. لماذا نربي أنفسنا؟ إننا في أمس الحاجة لتربية أنفسنا، وإلاَّ انطبق علينا وصف الشيخ المربي ابن القيم رحمه الله حينما تحدث عن هذا الذي أهمل نفسه، ولم تنهض همته للعيش بنفس طيبة طاهرة ثابتة فقال: (فلا يزال في حضيض طبعه محبوساً، وقلبه عن كماله الذي خلق له مُصدِراً منكوساً، وقد سأم نفسه مع الأغنام راعياً مع الهمل، استطاب لُقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل)، وهنا سؤال آخر، حول أهمية مطالبة الشباب ببذل الجهد واستفراغ الوسع في تربية نفسه، فيا ترى ما أسباب هذه المطالبة وما أهميتها ومسوغاتها؟ لا ريب أن هناك أسباب عدة تدفعكم أيها الشباب لحمل مسؤولية أنفسكم وبذل الجهد في تربيتها، وإن من هذه الأسباب ما يشترك فيه الصغير والكبير، الذكر والأنثى، ومن ذلك: وهي ثلاثة أسباب أولاً: (لا تزر وازرة وزر أخرى): إنه قانون المسؤولية الفردية الذي يربينا عليه القرآن، فكل منكم أيها الشباب بل كل إنسان خلقه الله وبراه مسؤول، نعم إنه مسؤول مسؤولية فردية، وها هو القرآن واضح البيان في هذه القضية، «لا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور» «الزمر: 7»، ويقول جل في علاه: «كل نفس بما كسبت رهينة» «المدثر: 38». (إنك حين تقرأ في نصوص القرآن الكريم أو في نصوص السنة النبوية؛ تجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسؤول مسؤولية خاصة عن نفسه، حتى ذاك الفرد الذي يتعرض إلى الإضلال والغواية من خلال الضغط الذي يمارسه عليه غيره، سواء كان ضغطاً نفسياً أم ضغطاً اجتماعياً- أياً كان مصدر هذا الضغط- لا يعفيه ذلك من المسؤولية)، وإذا طالعنا القرآن الكريم نجد في آيات عديدة نماذج من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين الذين اتَّبَعوا وبين الذين اتُّبِعوا، أو بين الذين استضعفوا والذين استكبروا، فيأتي المستضعفون يطالبون أولئك المستكبرين الذين كانوا سبباً في إضلالهم وغوايتهم أن يتحملوا عنهم جزءاً من العذاب: «وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مُغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص» «إبراهيم: 21». مثال: فهذا الشاب الذي اتبع صديقه وسار وراءه يتخبط في طريق مظلم.. إنه طريق الضلال والانحراف بعيداً عن طاعة المولى جل في علاه، سيأتي هذا الصديق يوم القيامة- الذي أضل الشاب- يحمل وزر نفسه ووزر هذا الذي أضله، كما قال الله جل في علاه: «ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا سآء ما يزرون» «النحل: 25». ولكن هذا الشاب المستضعف، ترى هل يعفى من المسؤولية أمام رب البرية سبحانه وتعالى، إنها الحقيقة أقولها في أسف: لا لن يُعفى من المسؤولية، بل ولن يغنيه أن يتلفت يمنة ويسرة، تارة يطالب صاحبه الذي أضله، وتارة يرجو منه أن يتحمل عنه جزءاً من العذاب «إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص» «إبراهيم: 21». ومع هذا كله لن يُعفى من المسؤولية، والآن أريد أن أسأل كل شاب أعلم منه أن يحمل عقلاً وفكراً وقلباً فيه كثير من إيمان بإذن الله: أليس هذا وحده دال على المسؤولية الفردية للإنسان، في أي بيئة وفي أي مجتمع وجد، وحتى لو سار وراء صاحبه وهو يظن أنه يحسن صنعاً فإن ذلك لا يعفيه أمام الله عز وجل. فهيا أيها الشاب بعدما علمت هذه الأهمية لتحمل المسؤولية الفردية وتربية الذات سارع في هذا المضمار، فتهيأ واستعد ما من حمل ما ذكرت لك بُد. وللحديث بقية.