حسن جداً أمر الدعوة التي وجهتها مصر للصحفيين السودانيين لزيارة القاهرة، ولتمتين العلاقات الثقافية بين البلدين وتجديد الدماء في شريانها وتنقيتها من الشوائب التي أثارها البعض ممن لا يقدرون مصلحة مصر أولاً قبل اهتمامهم بالشأن السوداني الذي لا يعرفونه أساساً، ولا يهتمون به، في مقابل اهتمام كبير ومحبة خالصة يحملها الشارع المصري، بل والشعب المصري لإخوانه وأشقائه في السودان عبر التاريخ.. ومأساة المتلقي أنه يتخيل أن تلك الأصوات الشاذة تمثل مصر أو تعبّر عن الموقف المصري العام دعك من الموقف الرسمي الذي هو بعيد كل البعد عن كل هذا والذي عبّر عن نفسه بجلاء في زيارة وزير خارجية مصر ورئيس جهاز المخابرات فيها في ذات اليوم ممثلين لفخامة الرئيس مبارك وناقلين إلى سفير السودان بالقاهرة شكر وتقدير مصر لدور السودان ولكل ما قامت به السلطات السودانية من رعاية وعناية وتأمين للبعثة الرياضية المصرية ولآلاف المشجعين المصريين الذي أدوا واجبهم وعادوا الى أوطانهم في ذات الأمسية كاملين تامين آمنين في رعايته وعنايته.. وهذا في حد ذاته إنجاز كبير قدّرته القيادة المصرية حق تقديره ونقلت رسالتها الإيجابية وشكرها للسودان حكومة وشعباً.. وكأنما كان شعارها (ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا) هذا الشعار الذي يتوافق حقاً وصدقاً مع معنى الآية الكريمة.. نحن هنا وهناك في مصر وفي السودان مشكلتنا في الإعلام وفي بعض الأفواه والأقلام التي قد تكون في بعض الأحيان مدفوعة بعوامل عديدة أهمها سذاجتها وعدم إدراكها لطبيعة العلاقات بين الشعب الواحد في وادي النيل، وأن مصر والسودان وطن واحد عبر التاريخ وأن ما يصيب مصر من رشاش يصيب شقيقتها السودان وفي الأعماق وأن حال مصر والسودان هو ما قاله شاعر وادي النيل الكبير: (وما مصر والسودان إلا وشيجة وما أهلها الا كريم وسيّد) وأنا أتحدث عن العلاقات المصرية السودانية أقول للأشقاء المصريين خذوا بالكم من الإعلام عندكم وخذوا بالكم من الأقلام عندكم.. وخذوا بالكم من الصحافة المنفلتة التي تملأ شوارع القاهرة والتي تسلق الجميع بألسنة حداد، ولا كبير عندها إلا الجمل.. خذوا بالكم حتى لا تمد لسانها خارج الحدود.. فستفسد العلاقات بين الأحباء والأشقاء التي بنتها مصر عبر قرون من الزمان، وبذلت في سبيل بنائها الغالي والرخيص ووظفت فيها المجلة (مصر والسودان).، و (الوادي) وغيرها عشرات ووظفت في سبيلها الإذاعات القوية النافذة صوت العرب، وركن السودان ووادي النيل التي تشرّفت بالإسهام في إنشائها ولا أزال حتى اليوم أواصل نشاطي معها.. مواصلاً رحلة صادقة بدأت منذ عقود من الزمان.. وعزاؤنا أن الشارع المصري قبل السوداني لا يلتفت إلى مثل تلكم الوريقات الصفراء التي تزحم الشوارع ولا يعيرها انتباهاً وهي تتطاول على رموز دولتها بالداخل دعك عن الخارج. ولكن الخطورة في الإعلام المرئي والمسموع الذي يفرض نفسه عليك ويدخل بيتك وأذنك من غير استئذان، خاصة عندما يكذب عليك ويقول لك (البيت بيتك).