عندما سألتني مذيعة قناة المستقبل اللبنانية، وهي تسجل معي حلقة من برنامج (سيرة وانفتحت) عن تفاصيل قضية السيدة الفضلى لبنى حسين، والتوقعات التي سادت بأن يتم الحكم عليها بأربعين جلدة لارتدائها الزي الفاضح.. لم تسألني إلا لتحدد موقفي كصحفي من حدث أصبح حديث الناس - وقتها - بل زادت على ذلك بأن سألتني صراحة عن رأيي في عقوبة الجلد، وهل أنا مع هذه العقوبة أم ضدها؟؟ هذا السؤال نفسه تعرضت له من قبل عندما سألتني الصحفيتان الأمريكيتان استيفاني ماك كرومن، من صحيفة الواشنطن بوست، و«جويندولين تومبكينز» مراسلة إذاعة (n.p.r) الأمريكية من شرق أفريقيا، عندما طلبتاني للحديث معهما إبان إجراءات المحاكمة المشهورة في فندق السلام روتانا بالخرطوم .. ولم تختلف إجابتي في الحالتين، إلا أنني قلت لمذيعة قناة المستقبل اللبنانية في بيروت: إن هذه السيرة (انقفلت) في السودان، فلماذا الآن تريدون لها أن تنفتح؟ .. وقد كانت إجابتها بأنهم لم يجدوا من يعلق لهم على هذا الأمر في حينه..! الإجابة على سؤالي لم تكن مقنعة بالنسبة لي، لكنني أجبت على سؤالها المطروح بأن عقوبة الجلد في الإسلام وأية عقوبة أخرى، إنما تأتي للمحافظة على مصلحة المجتمع وردع مرتكب المخالفة عن تكرارها.. وعقوبة الجلد في الإسلام تقع في حالتين: الأولى عند حدوث أو ارتكاب جريمة حدية، وهذه حددتها الشريعة في ثلاث حالات فقط تمثلت في القذف، وعقوبته ثمانون جلدة، وزنا غير المحصن وهي مائة جلدة، ثم شارب الخمر وهي أربعون جلدة، أما الحالة الثانية فهي استخدام الجلد كعقوبة تعزيرية، وهذه ترك تقديرها للقاضي شريطة ألاّ يزيد عدد الجلدات عن عشر جلدات، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : «لا يجلد أحد فوق العشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين» وهناك من يرى أن العقوبة التعزيرية تقدر بحسب المصلحة شريطة أن يكون هناك تجانس بين الجريمة والعقاب. إذن نحن مع عقوبة الجلد إذا كانت حداً، ومع ذلك علينا بأن ندرأ الحدود بالشبهات، أما في حالة السيدة لبني فإنني أرى أن تقدير القاضي المختص هو الذي تحدد العقوبة سواء كانت بالسجن أو الغرامة. نحن لا نريد أن نسئ للإسلام بسوء الفهم والإدراك، ولا بالتجني أو التشفي أو الانتقام، وليس عيباً أن نعيد النظر في القوانين الوضعية التي يرى البعض فيها إجحافاً وظلماً، بل العيب أن نتمادى فيما يغضب الله والناس.. وهذه هي مسؤولية المجالس التشريعية على مستوى السودان أو على مستوى الولايات.. ونسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .. و.. جمعة مباركة.