ملحمة البحث عن الخلود الملحمة عبارة عن سرد شعري مطول، يحكي قصة بطولية لواحد من الملوك أو الأمراء، اكتسب ولاء الناس ومحبتهم، وتتضمن الملحمة سلسلة من الأعمال البطولية الخارقة، يمثل الخيال الخلاق لحمتها، بينما يمثل الواقع التاريخي، الممتزج بالأساطير سداها.. وقد ازدهر الفن الملحمي في عصور ضاربة في القدم، بين الأمم والشعوب الفطرية التي تمجد البطولة والمغامرة واقتحام المخاطر.. وكان أول نص ملحمي حفظته واعية التاريخ، هو ما نحن بصدد مقاربته: ملحمة جلجامش.. التي أبدعتها العبقرية السومرية في مستهل الألفية الثانية قبل الميلاد.. وقد عثر عليها منقوشة بالكتابة المسمارية للغة الأكادية، على اثني عشرلواحاً من الطين، فيما اعتبره المؤرخون آثار مكتبة القائد الآشوري: آشور هانيبال، وذلك في عام 1850م في (نينوى) وكان عنوان الملحمة: ( هو الذي رأى كل شي).. تحكي الملحمة قصة جلجامش ملك أورك (الوركاء) وبطلها وحاميها، الذي كان بطلا شعبيا حتى أن المخيال الشعبي جعل أمه آلهة وأنه ثلث اله.. (وتبدأ الملحمة بتصوير لحظة طغيان تولدت عند هذا البطل، فأصبح ظالماً وقاسياً؛ حتى انه لم يبق عذراء ليوم زواجها، بل كان هو الزوج الأول لكل عروس. حتى ضاقت به الناس وتذمروا من جوره، وابتهلوا للإلهة كي تخلصهم من جوره، لا من شخصه؛ لأنه مع ذلك كان محبوبا من شعبه، لأنه دافع عنهم وحماهم من الغزوات، فاستجابت الإله لتضرعات الناس، وخلقت لهم انكيدو ليصارع جلجامش ويقهره، لمنعه من الظلم.. وتبدأ المرحلة الحاسمة في الملحمة بالصراع بين انكيدوا وجلجامش الذي جرى عند المعبد أمام الناس وانتهى بالتعادل بينهما، وقد اقتنع كل منهما بعدم قدرته على هزيمة الأخر؛ مما حدا بجلجامش بان يتخذ انكيدو صديقا ومرافقا له.. وتصالحا على محاربة الشر، وفي هذا السياق تعاونا في قتل الوحش الأسطوري الذي نصبته الآلهة حارساً لغابات الأرز، فعاقبت جلجامش بالقضاء على صديقه ومعاونه أنكيدو، وفي تقديري أن هذا الحدث العام هو ذروة العمل الدرامي في هذه الملحمة؛ لأنه أحدث التحول الجوهري في نفسية الملك، وجعله يزهد في كل شيء، ويبدأ رحلة البحث المضنية عن الخلود.. وقد تعاطفت مع جهوده في بلوغ هذه الغاية إحدى الآلهات، ودلته على الكائن البشري الوحيد الذي نال الخلود بعد أن نجا هو وزوجته من الطوفان الذي عم الكون، والذي يدعى (أوتنابشتم).. وتدل العديد من المؤشرات على أن قصة هذا الناجي تتطابق مع قصة سيدنا نوح، ولكنها تختلف في أمرين، الأول أن نوحاً نجا هو وكل من آمن به من الطوفان، والثاني أنه عمر 950 عاماً ثم مات كما يموت البشر.. أي أنه لم يكتسب الخلود.. وتذهب الأسطورة إلى أن جلجامش لم يصل إلى أوتنا بشتم إلا بعد لأيٍ وجهدٍ جهيد، ولكنه لم يدله على الوسائل والأساليب التي تكفل له الحياة الباقية والخلود، ولم يثنه ذلك عن محاولات إقناع أوتنا بشتم فوسط زوجته التي أقنعته بأن يدله على النبتة التي تجدد الحياة- إذا لم يكن في وسعه منحه الخلود، أو تبصيره بالأساليب الكفيلة بجعله يكتسب الخلود المأمول.. فدله على مكان النبتة الكائن تحت مياه الخليج (في البحرين) ويغوص جلجامش وينتزع النبتة، ويبدأ رحلة العودة إلى أورك، ولكنه ينوم من الإجهاد والتعب، وتتسلل الأفعى وتسرق النبتة، وحين يفيق من نومه يجد أنها ابتلعت النبتة، فيسقط في يده، ويعود بعد كل ما بذله من جهود مضنية، وما قام به من أفعال خارقة صفر اليدين.. ولكنه اكتسب في المقابل حكمة أن الخلود غير متاح للبشر مهما بذلوا من جهود، ولكن تحقيق معنى الخلود يتمثل في فعل العمل الصالح وخدمة البشر..