يعتمد نجاح الجهات الأمنية بصورة أساسية على ما تقوم به من عمل فعال في مجالي جمع وتحليل المعلومات، لأن المعلومات تمثل العصب الحيوي والعمود الفقري للجهود الأمنية الفعالة، فبدون المعلومات لا يمكن الحد من الجرائم أو ضبط مرتكبيها. وتقوم الجهات الأمنية بالحصول على المعلومات من خلال منهجين: يتمثل المنهج الأول في الحصول على المعلومات بواسطة رجال الأمن أنفسهم؛ عند قيامهم بأنشطة الملاحقة والمراقبة والتفتيش وتحليل الأنشطة الإجرامية السابقة. ويتمثل المنهج الثاني في الاعتماد على تعاون الجمهور من أجل مده الجهات الأمنية بالمعلومات. وهنا يمكن القول إنه لا توجد قوة شرطة في العالم تضمن النجاح بصورة فعالة في مكافحة الجريمة دون معاونة الجمهور لها. تجنيد المصادر البشرية «المرشدين»: يمثل المرشد أحد مصادر المعلومات الهامة للعمل الأمني، لأنه يقدم معلومات عن جرائم تم ارتكابها ولم يبلغ عنها، كما أنه يمكنه الإبلاغ عن جرائم وهي في طور التخطيط لها. أنواع المرشدين: يوجد عدة أنواع من المرشدين، ويمكن تقسيمهم إلى ما يلي: 1/ المرشد بالصدفة أو المرشد اللادغ. وهم يقدم المعلومات للجهات الشرطية لعدة أسباب يتمثل أهمها في ما يلي: القيام بواجبه كمواطن صالح، الحصول على المعلومات بالمصادفة للتلخص من أحد المجرمين المنافسين، كما أنه يقدم المعلومات لغيرته من شخص آخر أو للانتقام منه لسبب ما. ومن الأمثلة الشائعة في هذا المجال. قيام المرأة المطلقة بالإبلاغ عما كان يقوم به زوجها السابق في أنشطة غير مشروعة بدون التفكير في الحصول على المقابل المالي من جهات الشرطة، أما خريج السجن حديثاً والذي لا يجد عملاً يقوم به قد يلجأ إلى التعاون مع الشرطة بمقابل مالي عن معلومات قد يكون عمل بها أثناء قضاء فترة عقوبته في السجن. المرشد المشارك: يقوم المرشد المشارك بصفة أساسية كمرشد للحصول على المقابل المالي أو للخروج من مأزق قانوني، ويحدث ذلك عندما تقوم الشرطة بتوظيف أحد الأفراد من أجل الحصول على معلومات عن شحنات المخدرات الكبيرة التي تهرب للبلاد، أو قيام ضابط المباحث بتحويل المجرم الذي ضبط في جرائم ذات عقوبات خفيفة إلى مرشد عن جرائم أكبر من أجل مساعدته للخروج من مأزقه القانوني. المرشد السري «المرشد المزورع»: يتمثل المرشد السري في أحد الأفراد الذين يدخلون في عضوية إحدى المنظمات الإجرامية، أو يكون من ضمن أعضائها لمدة طويلة ويثق فيه أعضاء تلك المنظمة، ثم يقوم بعد ذلك بالتعاون مع الشرطة من خلال تقديم معلومات ذات قيمة كبرى تؤدي إلى القبض على أعضائها وتقويض أسس قيامها، وذلك ما يحدث في الجماعات الإجرامية المنظمة والإرهابية. المرشد المرغم: هو المرشد الذي وقع في جريمة خطرة وتم ضبطه ويريد التعاون مع الجهات الأمنية من أجل الحصول على البراءة أو عقوبة أخف، مثلما حدث في إحدى الجرائم الكبيرة في نيويورك والتي أرشد فيها أحد المجرمين الخطرين- وكان يقوم بدور المرشد للشرطة- عن مشاركين اثنين من ضباط الشرطة في مجموعة من الأنشطة الإجرامية، وقيامهما بعد ذلك بدور المرشدين أيضاً من أجل تخفيف حدة العقوبة التي يواجهونها، والذي أدى بدوره إلى حل الكثير من الجرائم التي كانت ترتكب بواسطة إحدى العصابات الإجرامية المنظمة. السيطرة على العلاقة مع المرشدين: يجب أن يقوم القائم بعمليات البحث الأمني بالسيطرة على علاقته مع المرشد الذي يتعاون معه، بحيث يضمن استمرارية تعاونه معه لأطول فترة ممكنة، وبالطبع يكون ذلك بحذر لأن إعطاء الثقة الكاملة في المرشد قد يؤدي إلى ارتكابه الجرائم لعدم الشك فيه نظراً لتعاونه مع الشرطة. بصفة عامة يجب عدم الإفصاح عن المرشدين إلاَّ في الحالات التي يحتاج فيها إلى ذلك؛ من أجل قضية كبيرة أو تقويض أسس إحدى الجماعات الإجرامية المنظمة، وفي هذه الحالة يجب العمل على تأمين مستقبلهم. ولذلك فقد قامت كثير من الدول بوضع برامج لدعم المرشدين لعدم تعرضهم للانتقام في المستقبل ممن تعاونوا ضدهم أو معاونيهم. تحليل المعلومات: تعتبر عملية تحليل المعلومات أحد الأركان الأساسية لبناء قاعدة صلبة يمكن الاعتماد عليها في مكافحة الجريمة بأعلى قدر من الفعالية والكفاءة، وتتمثل قوة وفائدة عملية تحليل المعلومات في أنها قد تعتمد على ما هو متاح من معلومات، والتي في غالب الأحيان تترك بدون الاستفادة منها بصورة كاملة. وقد لا تتم الاستفادة من تحليل المعلومات في كثير من الأحيان لعدة أسباب، من أهمها عدم الإلمام الكافي بماهية عملية التحليل، لأن عملية التحليل قد تشمل مجرد الإلمام بمعلومات معينة اعتماداً على ذهن القائم بعملية التحليل، «وهو ما يطلق عليه النموذج الذهبي»، ولذلك لا يترتب على عملية التحليل التي تتم بهذه الصورة نتائج جيدة إلاّ في حالة محدودية المعلومات مع قصر النطاق الزمني التي تقع خلاله. وعندما يزداد حجم المعلومات المتاحة بصورة كبيرة ويتسع النطاق الزمني الذي تقع خلاله، فإنه يصبح من الصعب بل وفي كثير من الأوقات من المستحيل الاعتماد فقط على النموذج الذهبي للقيام بعملية التحليل، وهذا ما يعني حتمية الاعتماد على الأسلوب العلمي للقيام بعملية التحليل للمعلومات الهائلة التي يتم تسجيلها بصورة منتظمة. تعتبر الفائدة المترتبة على عملية التحليل المرتبطة بالتدوين اليدوي المنتظم ذات آثار محدودة؛ إذا ما قورنت بعمليات التدوين المنتظم بواسطة أجهزة الكمبيوتر الحديثة ذات القدرات العالية، كما لم يقتصر التقدم على استخدام الكمبيوتر في مجال عمليات بناء قواعد البيانات التي تتيح الفرصة المتميزة لتسجيل وحفظ واسترجاع كميات هائلة من المعلومات، بل تم تطوير وتوظيف إمكانات الكمبيوتر الهائلة للقيام بعمليات التحليل المرتبطة بالنماذج العملية المتقدمة التي تزيد من سرعة وكفاءة عمليات التحليل. الأسلوب العلمي والأساليب الكمية: يعتمد الباحثون في دراسة الظواهر الإجرامية في معظم الحالات على أسلوبين أساسيين، هما: الأسلوب الكيفي والأسلوب الكمي. ومن الملاحظ أن كثيراً من الباحثين يستخدمون الأسلوب الكيفي لدراسة الظواهر الإجرامية. وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها نوع الظاهرة محل الدراسة وقلة البيانات المتاحة ونوعية التعليم والتدريب التي يتلقاها الباحثون في هذا المجال. ولكن مع تقدم المجتمع وتعدد وتشابك العوامل المؤثرة فيه أو المساعدة على وجود الظواهر الإجرامية، فإنه أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل في بعض الحالات الاكتفاء باستخدام الأسلوب الكيفي لدارسة الظواهر الإجرامية.