قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال، أود أن أوضح الموقع الذي أكتبه منه، أنا لست كاتباً أو صحافياً ولكن تملي عليّ مهنيتي أن أتفاعل مع بعض الأحداث التي تدور في مجال تدريس وتعليم اللغة الإنجليزية بغرض خلق حوار مهني يشارك فيه كل المعنيين من أجل رفعة وتقدم مستوى اللغة الإنجليزية في السودان، فبحكم التدريب المتواضع الذي تلقيته في هذا المجال في السودان وخارجه، وددت أن أسجل بعض ملاحظاتي على المؤتمر الذي أقامه المجلس الثقافي البريطاني في الفترة من 1-3 مارس الحالي بالتعاون مع جامعة الخرطوم واستل (الرابطة السودانية لمعلمي اللغة الإنجليزية) - جاء هذا المؤتمر في وقت فعلاً يحتاج منا إلى تغيير ليس في مستوى اللغة الإنجليزية فحسب، ولكن تغيير وتطوير التعليم في السودان بشكل عام، على الرغم من أن المؤتمر شكل خطوة نحو رسم خارطة طريق لتدريس اللغة الإنجليزية في الجامعات، إلا أن هناك كثيراً من الإخفاقات التي صاحبته.أريد في هذه المساحة استعراض هذه الإخفاقات واقتراح بعض السبل لتحسينها، الغرض من ذلك ليس هو التقليل من شأن المجلس الثقافي البريطاني أو معاونيه، لأنني اعتقد أنهم يقدمون خدمة جليلة للوطن، ولكن هو تقديم نقد بناء يستفيد منه الجميع لتعم الفائدة، لأن النقد هو من أساسيات تقديم المعرفة، بل هو أساس إحداث تغيير في المجتمعات بصورة عامة كما يقول عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني المعاصر يرقن هابرماس، أود أن أحصر ملاحظاتي النقدية في أربعة محاور مهمة أتناول اثنين منها هنا والبقية في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله. أولاً: أبدأ بعنوان المؤتمر «أوان التغيير: تطوير مستوى تدريس اللغة الإنجليزية في الجامعات»، لم تكن واضحة من خلال حضوري لهذا المؤتمر، أسباب اختيار هذا العنوان، واذا سلمنا بأن هذا هو أوان التغيير، يجب أن نجيب على ثلاثة أسئلة مفصلية: لماذا نريد أن نغير؟.. ما هو الشيء الذي يجب أن نغيره؟.. كيف يمكن أن نغير؟.. هذه الأسئلة كانت غائبة في حيثيات هذا المؤتمر، إضافة إلى ذلك، التغيير بصورة عامة دائماً ينبع من إجراء دراسات تجريبية ودراسة متعمقة للأسباب التي أدت إلى تدهور اللغة الإنجليزية بشكل خاص، فليس من الكياسة أن نعطي الوصفة للمريض كما فعل المؤتمرون، قبل تشخيص الداء فتكون النتيجة في أغلب الأحيان إما الموت أو تفاقم المرض. فعلى سبيل المثال كان من الأحرى أن نناقش قضايا مثل تدريب وتعليم معلم اللغة الإنجليزية، منهج اللغة الإنجليزية في المدارس والجامعات، طرق تدريس اللغة الإنجليزية، طرق تقديم المناهج والدارسين، دور السياقات والعوامل الاقتصادية، التاريخية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية في تدريس وتعليم اللغة الإنجليزية، وسياسات وأيدلوجيات تدريس اللغة الإنجليزية، كل هذا كان يجب أن يناقش كأسباب أدت إلى تدهور مستوى تدريس وتعلم اللغة الإنجليزية في السودان وليس فقط الإكتفاء باستعراض بعض منها كحلول للأزمة دون معرفة أبعادها الحقيقية كمسببات لها. ثانياً: الطريقة التي تم بها قبول الأوراق التي قدمت في المؤتمر كانت غريبة ولا تمت للمهنية والعلمية بأي صلة، إضافة إلى ذلك لم يكن هناك أي نداء أو دعوة عامة قدمت لجامعات ومعاهد التعليم العالي في السودان لتقديم أوراق للمشاركة في هذا المؤتمر، واذا فات ذلك على «خبراء» المجلس الثقافي البريطاني، مع أنني أشك في ذلك، كان يجب على معاونيهم ألا تفوتهم مثل هذه الأمور البديهية، إلا اذا كان دورهم، مع احترامي الزائد لهم، هامشياً. فلهذا السبب، أو ربما لغيره، قد اقتصرت دعوة المشاركة في المؤتمر على معارف لجنة تنظيم المؤتمر على الرغم من سياسة «الخيار والفقوس» التي أتبعت، طلب من معظم مقدمي الأوراق من السودانيين أن يعدلوا في أوراقهم لأنها أكاديمية بحتة، بزعم أن الحضور سيكونون من غير الأكاديميين المهتمين باللغة الإنجليزية، بزعم أن من سيحضر المؤتمر هم صناع القرار والسياسات التي تتعلق باللغة الإنجليزية في التعليم العالي، وهم ليسوا متخصصين في مجال اللغة الإنجليزية، ولذلك يجب أن تكون الأوراق بلغة، في معنى حديثه، بسيطة ومباشرة يفهمها الحضور، مع العلم بأن صناع القرار وسياسات تدريس اللغة الإنجليزية في السودان أكاديميون ويفهمون اللغة الأكاديمية جيداً. في رأيي، وحسب معرفتي المتواضعة في هذا المجال، كان هذا من أعظم الأخطاء التي ارتكبت، وذلك لأن معظم من حضروا المؤتمر هم أكاديميون ومهتمون بمجال تدريس اللغة الإنجليزية، إضافة إلى ذلك معظم الأوراق التي قدمها غير السودانيين (أفارقة وبريطانيين)، والطريقة التي أختير بها هؤلاء «علمها عند الله» واللجنة المنظمة، كانت مدقعة في الأكاديمية، علماً بأن بعض هذه الأوراق كانت معلومات عامة (انسيكلوبيدية) في مجال تدريس اللغة الإنجليزية يمكن الحصول عليها من الإنترنت أو الكتب المتخصصة، وهذا سبب كافٍ يجعلها غير صالحة لمثل هذا المؤتمر. بمعنى آخر، مع احترامي لهم ولأوراقهم، لم تكن معظم أوراق هؤلاء الأجانب، نابعة عن أبحاث ودراسات تجريبية علمية أجراها مقدموها، وهذا لا يعني بالتأكيد أنها ليست جيدة ولكن أردت فقط أن أربط مخاض التغيير بالدراسات والبحوث التجريبية، وسأقدم استعراضاً مختصراً لورقة أو اثنتين من هذه الأوراق في الجزء الثاني من هذا المقال. طالب دراسات عليا جامعة انديانا، الولاياتالمتحدة الأمريكية