غدت المعلومات في عصرنا الحديث ركيزة للمجتمعات المختلفة- إذ تبرز أهميتها في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية، بحيث يصدق عليها تعبير الفنارة التي ترشد للطريق الصحيح- والتي تقوم على أساس من الهدي والتبصير والدقة بدلاً من الحدس والتخمين. واذا انتقلنا من التعميم الى التخصيص، فإن المعلومات هي نبع الحاجة وحجر الزاوية بالنسبة لأعمال الأمن المختلفة- بل إنها تمثل الدعامة الأولى لمختلف العمل الأمني. ماهية المعلومات وأهميتها في عمل الأمن المعلومات يقصد بها الحقائق والبيانات التي تسهم في التوصل الى المعرفة بشأن شخص ما أو موضوع أو مكان معين، وذلك لاستجلاء الحقيقة ووضوح المعالم حول هذا الشخص أو الموضوع أو المكان. وبعبارة أخرى فإنه يقصد بالمعلومات كافة الأمور التي تشملها المعرفة المختلفة عن حقائق وبيانات لشخص ما أو موضوع أو مكان ما. وتختلف المعلومات بمعناها المتقدم عن الأخبار- فالأولى عبارة عن وقائع حدثت- وغالباً ما يكون قد مضت على وقوعها فترة من الوقت تأكدت ولو بقدر معين، بينما الثانية عبارة عن وقائع جديدة حدثت وتعرف بعد وقوعها مباشرة أو بفترة زمنية محدودة، وتحتمل الصدق والكذب، وعندما يمضي عليها بعض الوقت وتصبح نسبة الصدق فيها كبيرة-تصبح معلومات وتحول المعلومة الى خبر فهو غير وارد. انواع المعلومات المعلومات يقصد بها كافة الأمور التي تشملها المعرفة بالنسبة لشخص أو موضوع أو مكان، واتساقاً مع هذا التجديد المتقدم، فإننا سوف نتناول أنواع المعلومات من وجهة نظر الأمن، ويقصد بأنواع المعلومات في مجال الأم، ذلك المحل الذي تنصب عليه المعلومات، وقد يكون شخصاً وقد يكون موضوعاً وقد يكون محلاً، وفيما يتعلق بالمعلومات حيثما يكون محلها الذي تنصب عليه، فإنها تنصرف في هذا المعنى الى معرفة الحقائق والبيانات بشأن هذا الشخص، وذلك عن طريق أحد مصادر المعلومات المسجلة أو الشخصية أو الرقابية، ولا يختلف الأمر كثيراً فيما يتعلق بالمعلومات حيثما يكون محلها موضوعاً أو مكاناً، فهي تنصرف الى معرفة الحقائق والبيانات حول هذا الموضوع أو ذاك المكان بأحد مصادر المعلومات المتعارف عليها- ومما هو جدير بالذكر في هذا الشأن أنه يتبقى التمييز بين جمع المعلومات حول موضوع قد تم بالفعل، وبين موضوع آخر في تمامه، وموضوع آخر ثالث مرتقب حدوثه في المستقبل- فالموضوع الأول يمكن معرفة المعلومات الخاصة به من واقع البيانات المثبتة في السجلات أو الملفات أو الدفاتر الخاصة لدى إحدى الجهات الرسمية أو شبه الرسمية- وكذا يمكن معرفة المعلومات عن طريق أحد الأفراد من الجمهور أو المرشدين أو ممن لهم دراية بأبعاد أو تفصيلات هذا الموضوع. المراقبة وجمع المعلومات قبل أن نتحدث عن المراقبة وكيفية جمع المعلومات، علينا أن نتعرف على مصادر التحري. كلمة التحري من الكلمات التي يشاع استعمالها في أعمال المباحث، وقد يكون لها في ذهن كل منا معنا ًمعين ومدلولاً خاص، فالتحري هو البحث عن حقيقة أمر تدل الوقائع العامة على قرب حدوثه أو أنه وقع ولم يتأكد من قام به أو هو جمع المعلومات التي تؤدي الى كشف هذا الأمر سواء كان شخصاً أو موضوعاً أو شيئاً. وقد جرى العمل على استعمال مباديء مصادر ووسائل التحري بمعنى واحد، إلا أن هناك فرقاً بين مصادر التحري ووسائل التحري، فمصادر التحري هي المنابع التي تستقي منها التحريات معلوماتها، أما وسائل التحري فهي الطرق التي يتم بها التحري. فالجمهور وما يذيعه من أحاديث وأخبار مثلاً، هو مصدر من مصادر المعلومات ولكن ليس وسيلة للتحري، فوسيلة التحري قد تكون المحادثة أو بث المخبرين والمصادر الحية.. الخ ويمكن أن تقسم مصادر التحري بالنظر الى مختلف جوانبها الى أقسام عدة: أولاً: المصادر العامة والمصادر الخاصة: ونقصد بالمصادر العامة الأفراد والأماكن والجهات الحكومية وغير الحكومية التي يمكن لرجل المباحث أن يستقي منها المعلومات دون أن يكون بينه وبينها ارتباط خاص، بمعنى أنه يمكن لغيره أن يستقي نفس المعلومات. ونقصد بالمصادر الخاصة الأفراد والأماكن والجهات الحكومية وغير الحكومية التي يرتبط بها رجل المباحث ارتباطاً وثيقاً معيناً، بحيث يستقي منها معلومات لا يمكن أن يستقيها غيره وفي نفس الظروف. فهناك من الأفراد ما يكون لضابط المباحث علاقة معينة بهم تجعلهم يفضون اليه مما يعلمون من أمر معين، بل ويجندون أنفسهم لجمع المعلومات التي يطلبها منهم، وكذلك يستطيع ضابط المباحث أن يوطد علاقته ببعض الأماكن أو الجهات الحكومية بحيث يستطيع أن يحصل منها على معلومات لا يمكن لغيره في نفس الظروف أن يحصل عليها، فتعتبر بالنسبة له مصادر خاصة ويمكن أن يقال ذلك عن بعض الجهات غير الحكومية، فمكاتب التخديم «استخدام العمال»، مثلاً يستطيع أن يحصل منها ضابط المباحث على معلومات وأسرار عن الشغالين وخدم المنازل ولا تعطى من العادة لغيره، ويقصد بالمصادر العلنية تلك المصادر التي يستطيع الكافة أن يستقوا منها المعلومات، كالصحف ومكاتب الاستعلامات وأحاديث الجمهور.. الخ.. فيمكن لضابط المباحث وغيره أن يحصلوا منها على المعلومات المطلوبة. أما المصادر السرية فهي تلك المصادر التي تمد رجل المباحث بالمعلومات بحيث لا يكشف عنها ابتغاء مصلحة عامة اقتضاها صالح الأمن أو مصلحة خاصة اقتضتها صفة هذه المصادر ذاتها، فالمصدر السري يجب عدم كشفه وإلا أصبح غير قادر على الحصول على المعلومات، وأصبح مهدداً في سلامته، وقد تكون لبعض الأشخاص مصلحة معينة في أن يفشوا لضباط المباحث سراً بما يعلمونه عن جريمة ما، إلا أنهم لا يرغبون في الظهور علناً. فهذه المصادر يجب ألا تكشف، والمراقبة السرية هي بطبيعتها مصدر سري من مصادر التحري يجب عدم كشفها وإلا لما حققت الهدف منها. ثانياً: المصادرالمعلومة والمصادر المجهولة: يقصد بالمصادر المعلومة جميع المصادر، سواء الأشخاص أو الجهات التي تمد ضابط المباحث بالمعلومات بناء على اتصاله بها، وبالتالي فإن جميع المصادر تعتبر معلومة ما عدا بعض الحالات: حالة ورود خطاب لضابط المباحث لا يكشف عن شخصية مرسله أو شكوى خالية من اسم مرسلها وغير مفصحة عنه أو مكالمة تليفونية من مجهول، حالة ما اذا نقلت التحريات الى ضابط المباحث من أحد أفراد الشرطة السريين أو أحد الضباط الآخرين دون ذكر اسم مصدرها، فهي بالنسبة لضابط المباحث الأخير تحريات مجهولة المصدر وقد يعول عليها في اتخاذ الإجراء الذي ينبغي. ثالثاً: الجمهور وما يذيعه من أحاديث وأخبار: يعتبر الجمهور وما يذيعه من أخبار وشائعات من أهم مصادر التحري، وذلك لأن الوقائع والحوادث إنما تحدث وسط الجمهور نفسه، وأخبار الجمهور وشائعاته عن هذه الوقائع يمكن عن طريقها أن نستخلص أو نستنتج المعلومات التي نريدها بعد الربط بينها، فالتقاط الأخبار عن ألسنة الناس من المسائل المحفوفة بكثير من الأخطاء، فقد تنتشر الشائعة بين الناس لأن مغرضاً روّج لها، فيخيل لمن يحس بإجماع الأغلبية عليها أنها حقيقة واقعة وقد يضلل المغرضون رجل المباحث، فيهدونه الى أكثر من مصدر للتحري، ولا يكون المصدر الأصلي واحداً منهم وقد يردد الناس أن شيئاً قد حدث، بينما لا يكون الواقع إلا مجرد رجاء أو ظن أو تخمين من شأن أمر من الأمور، والجمهور المقصود هنا هو المطلع أو المتصل بأحداث الواقعة، ويمكن الحصول على المعلومات من الجمهور عن طريق: (أ) السؤال المباشر، وذلك في الحالات التي لا تتطلب السرية. (ب) بث الشرطة السريين والمصادر السرية في المناطق التي تحتمل وجود معلومات لالتقاط الأخبار والشائعات. (ج) انتحال شخصية مناسبة مع البيئة والوسط الذي يعمل فيه رجل المباحث لمعرفة المعلومات والحقائق. (د) المحادثة مع أشخاص معنيين تسمح لهم طبيعة وظيفتهم أو مهنتهم بمعرفة الأخبار والمعلومات «كموظف البريد-الخدم- عمال الفنادق».