الكلمة الطيبة نفتح باب القلب بالمحبة والتقدير والاحترام، والمعاملة الحسنة تُلين عريكة الأسد، وتذيب الجليد، كما يقال.. وفي المقابل تكون الكلمة النابية والمعاملة الفظة؛ مظنة إيغار الصدور، وبذر غراس العداوة والتباغض بين الناس، ومدخلاً للاستعداء والتشاحن المتبادل.. ومدعاة لاتخاذ مواقف سلبية حادة، تتجاوز القطيعة، إلى الخصومة والمواجهة، ولهذا مثّل الحق سبحانه هذه القيم والمعاني المجردة بقوله: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا في السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللهُ الأِمْثَالَ للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اِجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ «الآيتان 25 26 إبراهيم » وقد كان من نعم الله الكبرى على رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، أن أدبه فأحسن تأديبه، وخلقه بأحسن وأفضل وأتم الأخلاق، وقال عز من قائل في ذلك: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وفي سياق إعداده صلى الله عليه وسلم لتحمل الأمانة، وأداء الرسالة، زيّنه بمكارم الأخلاق، فجعله دمث الأخلاق، ليّن العريكة، يخالق الناس، على اختلاف مشاربهم وأخلاقهم بالخلق الحسن، الذي اجتذب إليه القلوب والأفئدة كافة، وفي ذلك يقول سبحانه وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَتْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. ولذلك لم يؤثر أنه صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس، أو امتنع أن يقابل ويستمع لمن جاءه شاكياً أو مستعلماً أو راجياً عطاءه.. ولم يتخذ من الحرس من يحميه من شرور الأعداء المتربصين به، فقد تكفل الحق سبحانه بحمايته بقوله: ْ إِتَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وعلى ذات النهج القويم سار أصحابه أجمعون، خاصة الخلفاء الراشدون.. الذين لم يتخذ أحد منهم حراساً وحجاباً يحولون بينهم ومقابلة الرعية،ولعل أبلغ نموذج يجسد هذا المنهج، أمير المؤمنين الفاروق، الذي عقد بالدهشة ألسنة الرسل الذين وفدوا للقائه، من الامبراطوريتين الفارسية والرومانيةالمتاخمتين، حين ألفاه سفير كسرى؛ يتوسد ساعده وينام في ظل شجرة ظليلة دون حراسة أو حجاباً.. وقد ألهم ذلك حافظاً فكتب عمريته الرائعة التي يقول فيها: وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية عطلاً و هو راعيها وعهده بملوك الفرس أن لها سورا من الجند و الأحراس يحميها رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ببردة كاد طول العهد يبليها فهان في عينه ما كان يكبره من الأكاسر والدنيا بأيديها وقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها