تولد أماكن.. تحت قصف المواقع وفوهات البنادق.. وتنشأ حكومات.. تحت ظلال السيوف.. والحراب والسهام.. ويحتل القصور الجمهورية أحياناً.. حكام.. على ظهور الدبابات.. والمجنزرات.. والقنابل.. والعالم أيضاً يحكي.. أن حكومات.. تأتي الى أوطان.. عبر احتلال.. أو غزو.. أو وصاية من امبراطوريات.. وراء الأطلنطي.. تجثم.. أو تكتم.. أنفاس الشعب.. وحكومات.. تدير أوطانها بالرموت كنترول.. من وراء شعبها.. وإنابة عن مستضعفيها.. وحكومات.. شاهقة وشامخة.. جسورة.. باسلة.. وعنيفة.. مولود.. جميل وشرعي.. من رحم الشعب.. بعد مخاض انتفاضة.. هائلة.. وكل تلك الأشكال والأنواع.. قد شهدتها.. أفريقيا والدول العربية.. وتلك اللاتينية.. وأخرى في الكاريبي.. وليست آسيا.. بعيدة عن تلك.. الأنواع.. ونعبر.. الخط الفاصل.. بين أضواء المدينة.. وظلام الليل.. الدامس في أركان العتمة.. الخط الفاصل.. بين أوربا والعالم الثالث.. وهناك.. لا تأتي حكومة أبداً.. إلا على صهوات.. أوراق الإقتراع.. لا إذن مرور لساحات وباحات القصر.. إلا بعد إمضاء جماهير الشعب.. الشعب هو الفيصل.. هو المانع.. والمانع.. هو الذي يحمل الأحزاب.. الى ذرى المجد.. وهو الذي يمسح بذات الأحزاب الأرض.. وها نحن في السودان.. وبعد أن عشنا عذاب (الهدهد).. نخوض.. تلك الحقول الحافلة.. بالألغام.. نتلفت في حذر.. في ريبة.. نخطو في وجل ماحق.. نتلفت يمنة ويسرة.. خوفاً من مجهول مفزع.. ولكننا نسير في ثقة بالغد.. ثقة بالنصر.. ثقة في غدٍ مشرق فيه الأنوار.. نخطو لنودع.. أياماً من البطش الأحمق.. من الماضي المفزع.. نعم.. دعونا.. نتعشم.. نتبسم.. نتفاءل.. دعونا نطوي.. الصفحة.. صفحة حكم جاء على ظهر دبابة.. والإنقاذ نفسها.. وتنفيذاً.. لاتفاقية نيفاشا.. تعلن أنها سوف تحتكم لجماهير الشعب.. تعلن بالصوت الداوي.. قوي النبرات.. أن الحكم أبداً لن يكون إلا عبر صناديق الإقتراع.. ونحن نصدق.. على الأقل حتى نصل الى نهاية القصة.. وتبدأ.. المسيرة.. المتجهة الى الشعب.. والصفحة الأولى.. هي تسجيل الأسماء.. توطئة.. لليوم الموعود.. يوم يصطف الناس أمام.. مراكز الإقتراع.. يوم.. يضع المواطن الشريف.. النظيف.. الصالح.. بطاقة إقتراعه.. مستوحياً فقط رقابة ضميره والخالق.. مستهدفاً فقط مصلحة.. الوطن والمواطن.. وحملتني أقدامي.. وقبلها أشواقي وأحلامي وآمالي.. الى مركز الإقتراع.. تصورت.. أني سأنفق يومي.. وكل ساعاته.. في صف.. يتلوى.. تصورت أن أجد حشوداً.. كيوم الحشر.. ولكن.. صدمت واجتاحتني الرعدة.. وتساءلت أين الناس.. أين الصفوف.. أين الإحتشاد.. حزنت في وجع دامٍ.. قارنت اليوم بالأمس الماضي.. وكيف كانت مواسم الانتخابات.. مواسم فرح عربيد.. وسهر لذيذ.. وتعب مفيد.. وبرنامج.. يناطح برنامجاً آخر.. وحزب يسابق حزباً آخر.. ومرشح في وجه مرشح آخر.. وتذكرت أيضاً كيف كان التسجيل أياماً من الأعياد.. وهنا دعوني اسأل.. الأحبة من أبناء شعبي.. لماذا تهدرون.. هذه الفرصة التاريخية التي أتت محمولة على ظهر جياد نيفاشا.. لماذا تستهينون بمقدرتكم على تشكيل ملامح السودان القادمة.. ولماذا تستهينون.. بأحجام أحزابكم وجماهيركم.. لماذا لا تهتبلون هذه السانحة.. وتفعلون ما عليكم.. سجلوا أسماءكم.. أذهبوا الى صناديق الإقتراع عندما يحين أوان الانتخابات.. لا تركنوا الى أنها لن تكون حرة ولا نزيهة.. إن كانت حرة ونزيهة.. ستربحون لا محالة.. تنتصرون حتماً.. تكتسحون الدوائر يقيناً.. ولا أكتب ذلك من وحي خيال.. ولا يقظة.. ولا أمانٍ مستحيلة وكسيحة.. نحن الغالبية.. وراجعوا أي تجمع.. في صيوان عزاء.. أو سرادق أفراح.. أو ونسة ضل ضحى.. أو ركاب حافلة.. أو حديث أسواق.. لتجدوا.. أن معظم الناس.. بل الغالبية الكاسحة الهائلة منهم.. لها مواجد.. ومواجع.. ومآخذ.. على الحكومة.. بل لقد عاد.. كل هؤلاء الى أحزابهم.. والحال كهذا لا تثريب عليكم.. إن تساءلتم.. أين أنصار وناس الحكومة.. سجلوا أسماءكم.. ولن تندموا.. مطلقاً.. فللوطن.. حق عليكم.. وواجب.. وأمر.. لا يقاوم.. ولا يرفض.