كان الشيخ العبيد ود بدر حريصاً على أن تتسع دائرة التعليم الديني، فعندما يحفظ الطالب في مسيده القرآن الكريم، يأمره بأن يذهب إلى أهله ليعلمهم أمور دينهم قدر ما يستطيع، في وقت لم يكن التعليم متاحاً مثل اليوم، كذلك كان الشيخ حريصاً على العقيدة الصحيحة، وعلى توحيد المولى عز وجل، ويروي في هذا السياق أن أحد تلاميذه الذين حفظوا القرآن على يديه، ذهب إلى أهله في البادية ليعلمهم الصلاة، وما تيسر من القرآن الكريم، وكانوا أصحاب ثروة حيوانية كبيرة، تشمل الإبل، والبقر، والضأن، والماعز، فبدلاً من أن يعلمهم أمور الدين انشغل معهم بأمور الدنيا حتى أصبح يملك عدداً من البقر والضأن والماعز والإبل، وغاب عن شيخه العبيد ود بدر سنين عددا، وفي يوم من الأيام خرج يطلب المرعى فوجد نفسه قريباً من (أم ضبان) فطلب من الذين معه إذناً لكي يذهب لزيارة شيخه، وعندما دخل على الشيخ العبيد دار بينهما حوار باللغة الدارجية، فسأله الشيخ سؤالاً مباشراً قائلاً (كيف حالك يا الفقير؟) والشيخ يقصد بسؤاله حال الدين، وأراد أن يعرف كم عدد الذين تعلموا منه أمور دينهم، ولكن الفقير فهم السؤال حسب حاله الذي هو فيه، وظن أن الشيخ يسأله عن حالته المادية فأجابه وهو مسرور (ياشيخنا قول ماشاء الله عندي كذا من الإبل، وكذا من الضأن، وكذا من البقر، وكذا من الماعز)، هنا استدرك الشيخ وعرف أن تلميذه قد انشغل بأمر الدنيا وترك أمر الدين، فحاول أن يعيده إلى أمر الدين قائلاً: ( يا الفقير إن شاء الله حق الله مرقتوا) ويعني هل أخرجت الزكاة؟ فرد تلميذه (ياشيخنا انت في حق الله المرقتو ولي في الفرض التركتو؟) ويقصد أن شيخه يسأله عن الزكاة في وقت انشغل هو بالمال، فترك فريضة الصلاة، وما كان على الشيخ العبيد بعد أن علم أن تلميذه تراجع عن أمر الدين لدرجة أنه ترك الصلاة، إلا أن يسأله مشفقاً (وإن جاك البي ورقتو)- أي ماذا ستقول عندما تموت وتسأل في قبرك- هنا رد التلميذ على شيخه والثقة تملأ كل جوانحه ( إن جاني البي ورقتو بتحوا في البي بركتو) أي أنني سوف أقول له إنني في حمى شيخي هو الذي سوف يتولى عني الرد، وهذا فهم خاطئ، واعتقاد غير صحيح، فما كان من الشيخ إلا أن انتهره وهو غضبان قائلاً: ( الله أشركتو ? إنت والبي بركتو تجمعكم الطاعة وتفرقكما المعصية)، ويعني أن الذي بيني وبينك أيها التلميذ هو طاعة الله سبحانه وتعالى، وأني لا أغني عنك من الله شيئاً، فأنت معي ما أطعت الله سبحانه وتعالى، ولست معي إن عصيت الله، فعملك لوحدك وطاعتك لربك هي التي تشفع لك يوم الحساب، فما كان من التلميذ إلا أن استغفر الله وصحح اعتقاده الخاطئ، ويبقى مع شيخه ويختار طريق طاعة الله عز وجل على بصيرة.