القيادة المنفردة والمهيمنة بسيطرة آحادية مستحكمة ومتحكمة بقوة هو ما يتصف به الراحل الرئيس الأسبق جعفر نميري على مدى حوالي 16 عاماً ممتدة من العام 1969م وحتى الإطاحة بها في الانتفاضة الشعبية الساخطة والمتبرمة من الضائقة المعيشية الضاغطة والمتفاقمة . لذلك فإن الحقيقة التي أضحت ثابتة ومؤكدة ولم تعد قابلة أنه لم يخلف شيئاً سوى التجربة الصادقة والمخلصة والمجاهدة والمنهكة والمرهقة والمتجردة والمتواصلة في سبيل العمل من أجل تحقيق نهضة وطنية راسية وراسخة ومؤهلة للاستمرار في إطار الالتزام بالمصلحة العائدة للغالبية العظمى من جماهير المواطنين الكادحين للحصول على سبل العيش الكريم والنزيه والنظيف والشريف . ننق هنا الرؤية التي عبر عنها فيما يتعلق بالعمل من أجل النهضة الوطنية خلال فترة حكمه الممتدة بكافة حقبها وجميع تقلباتها وتطوراتها التي ظلت متصلة ومحتقنة ومحتدمة ومتقدمة حيث نقل عنه الكاتب الصحفي اللبناني المخضرم والضليع والخبير المتمرس والقدير فؤاد مطر بحسب أبو موسى الأشعري (بالوسط الاقتصادي) في كتابه الصادر عام 2001م تحت عنوان «حديث الوداع.. سنوات نميري بحلوها ومرها» قوله إنه وخلافاً لما هو معهود ومألوف فإن عائد التنمية في السودان يبدو مشجعاً بالنسبة للعائد الأساسي المطلوب حيث إن القاعدة المألوفة في أي بلد من بلاد العالم هي تحقيق النمو الاقتصادي عن طريق الاستثمار الأمثل للموارد وتحقيق نوع من الرخاء والوفرة. أما بالنسبة للسودان فإن العائد القومي هو العائد المطلوب وذلك بمعنى أن تساهم التنمية في تحقيق التجانس القومي للوطن السوداني وخلق أمة سودانية. ورغم أن جهد التنمية عندما يبدو كجهد يهدر إلا أن أي قراءة واقعية للسودان تدحض هذا الافتراض حيث إن أوجه التباين أساسية في مليون ميل مربع على صعيد التطور الاقتصادي والاجتماعي للسكان في السودان وعلى الصعيد العرقي والاتصال بين أجزائها والذي هو ليس أمراً سهلاً كما إن المصادر الاقتصادية تختلف بين منطقة وأخرى الأمر الذي يؤدي الى نوع من الاهتزازات في وسط التجمعات. وهذه الظواهر وغيرها تعني انه من أجل الحصول على العائد القومي لابد من إزالة الفوارق. وأضاف نميري إنه اذا أخذنا الاعتبار أن السودان بحدوده الجغرافية على الخارطة لم يكن موحداً سياسياً في كل تاريخه كالتوحد الذي حدث مؤخراً اتضح مدى الحاجة الى تنمية ذات عائد قومي فالسودان في كل تاريخه لم يكن موحداً. وكان شماله يتألف من ممالك، كان غربه يتألف من ممالك وكان شرقه تحت الهيمنة العثمانية لفترة طويلة، وبعد الفتح الاستعماري المصري الإنجليزي كان جنوب السودان مغلقاً أمام الشماليين وكان الشمال مغلقاً أمام الجنوبيين. وغرب السودان كان منطقة مغلقة ومعزولة تماماً، وبعد الاستقلال من الاستعمار الأجنبي اصبح الجنوب مغلقاً بسبب الحرب الأهلية وكذلك كان الغرب والشمال مغلقين بسبب صعوبة المواصلات وفي بورتسودان كانوا يعتبرون المسافر منها الى العاصمة الوطنية الخرطوم مسافراً الى قطر آخر. إن مرجعيات التغيير تحدد الحال الواقع والمستقبل ولعل قوم موسى وقوم فرعون أصدق مثال على ذلك بين أقصى درجات الاعتدال وأقصى درجات العناد وعدم قبول الآخر فكان حال قوم موسى إلى خلاص وحال قوم فرعون إلى هلاك ونحمد الله كثيراً أن جعلنا أمة وسطاً توائم ما بين الطفرات والاختراعات العلمية والتكنولوجية ومجتمعاتها الجديدة مع مراعاة الأخلاق والقيم والسلوك لتكون حافزاً للعلم لا خصماً عليه ويصبح كل أمر العبد لله تعالى إذ يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) صدق الله العظيم. العقل الإنساني في ترقياته وصل إلى نظرية (النانو تكنولوجي) والكشوفات العلمية الآن تترى والمحك هنا التوظيف لمعطيات المعرفة العلمية في ما ينفع الناس تأسيساً على الاستيعاب الكامل لمقاصد الدين والمعرفة المرتبطة بأمانة التكليف والإخلاص والإتقان بلوغاً لمرحلة الإحسان . الأمر الذي يستوجب أن تقوم الدولة عبر مؤسساتها المختصة بالتعليم وبناء القدرات ودوائرها المهنية وسوق العمل والتنظيمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الإطار بإعداد وتهيئة الموارد البشرية ودفعهم نحو الإنتاج فالنموذج التنموي الذي نريده هو الذي يقوم على اقتصاديات المعرفة – وهو الذي يحمل كل الناس بقدراتهم وكفاءتهم نحو إنتاج الثروة عبر خطط وبرامج وإستراتيجيات التنمية الشاملة والمستدامة. إن التجانس القومي في السودان مسألة في غاية الحيوية، وبالتالي فإن عملية التنيمة ذات عائد قومي يعادل في أهمية العائد الاقتصادي بالنسبة الى بلد مثل السودان حيث إن مردود إقامة الطرقات على سبيل المثال بطيء جداً ولكن الطرقات تربط المناطق ببعضها وتوحد الناس ولهذا فلابد منها على رغم أنها لا يمكن استعادة المال الذي ينفق في سبيل ذلك إلا بعد زمن طويل، والى ذلك فإن مشروعات التنمية التي نفذناها أخذت في الاعتبار قبل أي شيء قدرتها على تحقيق نوع من التكامل بالنسبة الى مناطق السودان المختلفة. ويضيف نميري وفي هذا الإطار تجدر الإشارة الى انه كانت هناك على سبيل المثال فكرة لإنشاء عدد من مصانع السكر بمعدل مصنع في كل مديرية وعندما اكتشفنا أن مثل هذا الأمر سيؤدي الى نوع من الاكتفاء الذاتي لكل منطقة وبالتالي يعزز ظاهرة التشرذم ويبلورها حسب الانفصال أقمنا مصانع السكر في منطقة وفي منطقة أخرى أقمنا مصانع النسيج وكذلك خصصنا منطقة تعزز فيها زراعة البن وأخرى نعزز فيها زراعة الحبوب، وبهذا الاختيار حققنا نوعاً من التخصص الإنتاجي، ومهدنا السبيل بشكل جيد أمام خلق مناخ للتكامل الاقتصادي بين مناطق السودان المختلفة، وذلك بمعنى أن الموارد الاقتصادية وناتج العائد القومي في أي منطقة لا يمكن أن تحقق فوائدها إلا عن طريق التبادل والتكامل مع المناطق الأخرى، وكذلك تجدر بي الإشارة الى امر آخر وهو أننا في المنطقة التي نختارها لننشيء فيها مصنعاً كنا ننشيء قبل المصنع المدرسة والمستشفى والسوق ومراجعة الخدمات العامة وهدفنا وراء ذلك تأمين الاستقرار للرحل. ويشير نميري الى ان كل الجهود التي بذلت خلال فترة حكمه للتنقيب عن النفط كانت ايجابية ويضيف: «لقد ثبت وجود الغاز الطبيعي في منطقة البحر الاحمر وباحتياطي ضخم، وفي جنوب وغرب السودان عثر بالفعل على النفط ويجري العمل لمزيد من التنقيب كتمهيد للاستثمار التجاري ومازالت الشركات التي منحت حق التنقيب تواصل العمل ولكن الاهم من النفط الذي مهما بلغ حجمه فهو مورد غير دائم نسبة لإمكانيات السودان الزراعية لإنتاج الموارد الغذائية نباتية كانت أو حيوانية حيث ان بالسودان 230 مليون فدان صالحة للزراعة واكثر من 40 نهراً وأمطاراً متوفرة في معظم فصول السنة وفي السودان ملايين من رؤوس الماشية، وفيه غابات وتنوع في المناخ وتنوع في السطح يسمحا بزراعة جميع انواع المحاصيل وفي السودان كثافة سكانية معقولة ولكن الذي ينقص السودان هو هياكل البنية الاقتصادية ونحن نعمل على تحقيق ذلك من خلال مشروعات الطرق كما اننا لم نتمكن حتى الآن من استغلال طاقة المنحدرات المائية في الانهار السودانية إلا بنسبة 5% من مجموع الطاقة التي يمكن ان تولدها والى ذلك فان قرب السودان من التجمعات العربية وافريقيا يجعله الملجأ الأول والأخير لحل أزمة الغذاء العالمية.