مما لا شك فيه فإن الظروف والأوضاع التي تمر بها البلاد تقتضي ضرورة تعديل جوهري في الموازنة العام للدولة للتماشي وتتواكب من الظروف والمتغيرات التي طرأت على الساحة ، فقد أقر الخبراء والاقتصاديون بضرورة أن يحدث تعديلا في الموازمة لجهة أن الأوضاع والظروف لم تعد كما كان عليه الوضع إبان إجازة الموازنة لذا فقد رأت وزارة المالية بأن تقوم بتعديلات في الموازنة لدفعها على طاولة المجلس الوطني خلال الأيام القليلة المقبلة لإجازتها، وأعلنت وزارة المالية والاقتصاد الوطني على لسان وزيرها علي محمود خلال اجتماعه برئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الزبير أحمد الحسن بأن المستجدات والتحولات الاقتصادية والظروف التي تمر بها البلاد تستدعي التعديل في الموازنة يحيث يتواكب ومقتضيات المرحلة ، وقطع الخبراء بأن الموازنة العامة للدولة استطاعت أن تصمد خلال الربع الأول من الموازنة حيث استطاعت أن توفي بكل بنودها دون اختلال ، مؤكدين على أن ضروريات تقتضي التعديل ، منوهين أن التعديل من شأنه أن يضع الموازنة على بر الأمان والبحث عن بدائل لسد العجز في الموازنة، وحذر الخبراء من بديل زيادة أسعار المحروقات لجهة أنه من أسهل الإيرادات تحصيلا ودخلا وذلك لما سيحدثه من ضغوط على المواطن وثورات ، داعيين إلى ضرورة التركيز على زيادة الترشيد في الإنفاق الحكومي والعمل على تحصيل الإيرادات من الوزارات المجنبة والتي تقدر مبالغها المجنبة بواقع ملياري جنيه في العام فضلا عن التوسع في الضرائب، وأطلق الخبراء تطمينات بأن الدولة بمقدرها تجاوز كافة العقبات التي تواجه الموازنة في حال أن طبقت البدئل على أرض الواقع . ويرى وكيل وزارة المالية الأسبق شيخ المك بأن تعديل الموازنة جاء لأسباب عدة أهمها عدم الحصول على إجار خط الأنابيب لدولة الجنوب الذي يقدر بنحو (4) مليار جنيه في العام لافتا أن تلك المبالغ تشكل 20% من الموازنة المجازة وبالتالي فإن عدم الحصول عليه سيؤثر سلبا على الموازنة بجانب الحرب مع دول الجنوب يتطلب صرفا إضافيا ما يتطلب على الدولة أن تأتي بميزانية معدلة تستصحب معها كل المتغيرات في الساحة ، مشيرا إلى أن التعديل الذي سيتم يعتبر الثاني خلال ستة أشهر ، وقال المك ل(الأحداث) بأن رأينا كان واضحا في خلال الإعداد لموازنة العام الحالي 2012م إذ طالبنا بأن لا نعتمد على التقديرات حتى لا نقع في أخطاء كما حدث الآن بل أن الوضع تأزم بدخول الحرب مع دولة الجنوب ، مؤكدا على أن الحرب يتطلب مزيدا من الصرف لجهة أنه لا بد من الدفاع عن الوطن ، وأعلن المك بأن هنالك مؤشرات وبدائل عديدة يمكن إجراءها لتعديل الموازنة أهمها إيقاف تجنيب الإيرادات خاصة وأن تقرير المراجع العام أشار إلى أن هنالك وزارات كبيرة ما زالت تجنب إيراداتها بمبالغ ضخمة تصل ملياري جنيه في العام ، مشددا على ضرورة إيقاف التجنيب على أن يتم إيرادها لخزينة الدولة بيد أنه رجع قائلا بأن ذلك يتطلب ضرورة تكاتف الجهود مع الجهات ذات الصلة من وزارة المالية والمجلس الوطني، وأكد المك على أن الإنفاق الحكومي أيضا ما زال كبيرا وأن الأوضاع العسكرية والأمنية الراهنة تتطلب مزيدا من الإنفاق في الوقت الذي نحتاج فيه إلى ترشيد الإنفاق العام إلى أدنى حد ممكن ، مؤكدا على أن البدائل في الإيرادات عديدة كزيادة أسعار المحروقات إلا أن لها آثارا سياسية سالبة لجهة أن آثارها تشابكية إذ إنه إذا كانت الزيادة زيادة بواقع 3 جنيهات على الجالون فإنه سيرتفع أربعة أضعاف السعر لجهة أن آثاره ممتدة، لذلك فإن بديل المحروقات في الوقت الراهن غير مقبول ، منوها إلى أن دخولنا مستوردين في استيراد البترول بعد الهجمة على هجليلج يتطلب تعديل في أسعار البترول إلى أن ترجع هجليج ، وذكر المك أن هنالك بدائل أخرى يمكن وضعها في الاعتبار وهو زيادة ضريبة على الذهب المباع، لجهة أن عائد صادر الذهب نصف مليار دولار فإن فرض ضريبة بواقع 10% فمن شأنه يعود لنا بمبلغ (250) ألف دولار للمساهمة في الموازنة، وفي ذات الوقت ليست له آثار على المواطنين، لكنه رجع قائلا بأن البعض يرى الضريبة على الذهب تقلل من الإنتاج وتساعد على التهريب ، مؤكدا على أن ذلك غير صحيح لجهة أن الأرباح من الذهب ضخمة وعليه لا بد أن تساهم في الخزينة العامة ، لافتا إلى أن هنالك بديل لزيادة ضريبة قيمة مضافة على السلع والخدمات الرأسمالية ( الكهرباء المياه الأدوية الدقيق المحروقات وغيرها) ، مؤكدا على أنها لا تؤثر على حياة المواطن مطالبا بزيادة قيمة مضافة عليها من 15% إلى 20%. غير أن الاقتصادي دكتور محمد الناير أكد في حديثه ل(الأحداث) بأنه في كل المقاييس من المفترض أن توضع الموازنة بطريقة تتفادى فيها التعديلات لجهة أن فترتها قصيرة «عام واحد» وأن تقديراتها وفقا لمعطيات حقيقية يتم من خلالها وضع كل الاحتياطيات للحيطة والحذر وبالتالي فإن الكثيرين لا يحبذون التعديلات لكن إذا افترضنا أن هنالك تعديلات اقتضت التعديل فإن الظروف الراهنة قد تأتي بمزيد من ترشيد الإنفاق العام بجانب زيادة الإيرادات دون أن يمس المواطن، في إشار إلى زيادة المحروقات حتى لا تؤثر سلبا على الشرائح الضعيفة، وعليه يفترض البحث عن حلول ليست سهلة والاتجاه نحو الحلول الصعبة ، مبينا أن الدولة في كثير من الأحوال تلجأ للحلول السهلة كزيادة أسعار المحروقات أو الضريبة على الاتصالات لجهة أنها سريعة ولا تحتاج إلى إجراءات في التحصيل ، وقطع الناير بأن ضريبة القيمة المضافة لا تتحمل أي تعديل بجانب أرباح الأعمال، مؤكدا في الصدد بأن الخيار الأمثل التوسع الأفقي في الضرائب ، مؤكدا على أن التوسع في الضرائب من شأنه أن يعود بإيرادات ضخمة فقط يحتاج إلى آليات للوصول إلى دافعي الضريبة وتوظيفها في الاتجاه السليم. وفي ذات الاتجاه قطع الاقتصادي بجامعة السودان عبد العظيم المهل بأن تعديل الموازنة في الظروف التي تمر بها البلاد أصبح إجباريا، مؤكدا على أن التعديلات التي يمكن أن تتم في الموازنة خفض الإنفاق الحكومي بصورة أكبر خاصة وأن الجانب الأمني يستهلك جزءا كبيرا من المزانية وقد يزيد عن ماهو مرصود له في الموازنة، لجهة أنها أصبحت من الأولويات وعليه لا بد من أن يتم التخفيض على السفر للخارج والسفراء ، استحقاقات وحوافز الدستوريين ، المؤتمرات والكرنفالات ، مشددا على ضرورة أن تكون الاحتفالات والكرنفالات واستقبال الوفد خارج موازنة الدولة ، وقطع المهل في حديثه ل(الأحداث) بأنه لا يميل لبديل زيادة أسعار المحروقات لجهة أن الزيادة تعني ارتفاع أسعار كافة السلع والذي يتزامن مع تصاعد أسعار الدولار الذي تجاوز الستة جنيهات وعليه فإنه سيكون إشكالية في حال أن قدرت الدولة زيادة أسعار المحروقات . فيما يرى الاقتصادي دكتور بابكر محمد توم بأنه من الطبيعي أن يتم تعديل الموازنة خاصة وأنها تبنى على التوقعات وعليه فإن التعديل لا يمكن أن يتم إلا عبر الأجهزة التشريعية ، مؤكدا في حدثه ل(الأحداث) بأنه من الواضح أن الظروف استدعت التعديل بسبب عدم إمكانية الحصول إيجار الأنابيب ، وقال من الجيد أن الربع الأول للموازنة مر دون اختلالات ونحن في الربع الثاني والموازنة صامدة ، مبينا أن ذلك يرجع لفضل الجهات الإيراداية كالضرائب والجمارك حيث استطاعت تحمل المسؤلية وتوفير التمويل بثقافة وصفها بالعالية ، وزاد حتى تمشي الموازنة بذات المستوى فإن الأجهزة المعنية بالصرف كانت حازمة وعملت في حدود الموارد المتاحة ، لافتا إلى أن هنالك بعض الأجهزة التسييرية فيها شبه توقف، آملا في أن يتم توفر موارد إضافية في الربع الثاني ،وشدد التوم على تضرورة أن يكون التعديل كاملا وليست جزءا أو محدودا بحيث لا يكون التعديل لإجراء إصلاح في السياسات النقدية دون الإصلاحات في سعر الصرف للمصدرين ، لافتا إلى أن التعديل في إزالة التشوه جزء من إصلاح هيكلي في سعر الصرف يحتاج إلى جرأة متضمنة كل التوقعات الإيجابية ، مطالبا بتعديل سعر الصرف أيضا للمغتربين ، فضلا عن معالجات تشمل الفقراء والشرائح الضعيفة ، داعيا إلى ضرورة تحفيز المنتجين وتشجيع الاستثمارات بخاصة الزراعية لزيادة الدخل.