قبل البدء في الاسترسال في المقال, ليس أمام المرء بعد أن تم تحرير منطقة هجليج وتقديم الشكر لله عزل وجل الذي قال في محكم تنزيله «وما النصر إلا من عند الله» أن يهنئ القوات المسلحة, التي قدمت كل الغالي والنفيس من أجل حماية أرض الوطن وترابه, وتحية للشعب السوداني الذي قدم فلذات كبده مهراً لكي يسلم الوطن من كل أذى, والذي خرج إلى الشوارع ابتهاجاً بهذا النصر المؤزر, إنها فعلاً كانت لحظات عظيمة أن تخرج كل الأمة السودانية غير محكومة بقوانين الصراع السياسي, والانتماء الحزبي والإثني, والعشائري, كانت فقط تغني وتنشد للوطن المحول كقلادة في صدر كل واحد منا, يراعيها ويحافظ عليها لأنها هي هويته التي يتفاخر بها بين الأمم. خرجت الأمة لكي تؤكد أن الوطن فوق الجميع, مهما اختلفنا ومهما تشاجرنا وتخاصمنا ولكن يظل الوطن هو الشيء الذي لا نختلف عليه, ولا حياد فيه, وكذبت على نفسها الحركة الشعبية, إن ظنت بشقيها أن احتلالها «هجليج» كانت تريد أن ينقسم الشعب السوداني, بين مؤيد نكاية في المؤتمر الوطني, ومعارض يقف مع المؤتمر الوطني, ولكن بفعلتها هذه قد وحدت وجدان الشعب السوداني, وجعلته على قلب رجل واحد, عندما أصر الشعب على أن لا يكون هناك تفاوض ولا حوار إلا بعد التحرير, وصدق, ولم تخيب القوات المسلحة فأله فجاءته بالنصر المبين, لكي تؤكد مهما اختلفنا سياسياً لكن يوحدنا الوطن, فشكراً للحركة الشعبية على هذه الهدية الغالية, «يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» ويقول الله» عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» صدق الله العظيم, أن تدفق الجماهير للشوارع, لم يكن بسبب تعبئة من حزب سياسي, إن كان في الحكومة أو في المعارض, إنما تدافعت الجماهير للشوارع محمولة بعواطفها تجاه وطنها, الذي يحفظ دينها وتاريخها وتراثها وعاداتها وتقاليدها, منذ الطفولة حتى المشيب وكل إرث كان مساهماً في تشكيل وجدانها. إن الشعب السوداني الذي خرج على بكرة أبيه, يعبر عن حبه لهذا الوطن, أرجو السيد رئيس الجمهورية أن لا تكسر عزة هذا الشعب ورجولته وشجاعته, وكل قيم المحبة فيه, بأن تذهب إلى جوبا تلبية لدعوة رئيسها, الذي غدر مرتين, عندما جاء وفده يقدم الدعوة وتلقى موافقتكم وبعدها غدروا بهجليج, ثم جاء ممثل الاتحاد الأفريقي ثامبو أمبيكي الذي تلقى موافقتكم للقاء رئيس دولة جنوب السودان, ثم غدر أيضاً واحتل هجليج, لا تذهب السيد الرئيس إلى جوبا مهما كانت الوساطات, ومهما كانت قرارات الأممالمتحدة والمجتمع الدولي, إلا بعد أن يأتي سلفاكير مجرجراً أثواب الندم إلى الخرطوم, ويقدم اعتذاراً للشعب السوداني عن كل الأخطاء التي ارتكبها في حقه باحتلال أرضه واستخدام آلة الحرب فيه, أن لا تغدو بلاده معبراً أو ملجأ لدعاة التآمر ضد السودان, إنني لا أحذو كما فعل البعض بمنع الرئيس عن الزيارة لاختلاف المقاصد فيها, ولكن اقتداءً بأحد صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام, عندما قال في غزوة بدر «أهذا مكان أنزلك الله فيه أم هي الحرب والمكيدة». إن ثقافة قبائل الجنوب تعتقد بعد كل ما حدث تجاه السودان, وذهبت أنت إلى هناك, هذا يعني تخاذلاً وتراجعاً ولا تفهم بأنها «العفو عند المقدرة» وبالتالي تجبرنا ثقافتهم, أن نتعامل من خلالها حتى لا يتكرر مثل هذا الفعل في المستقبل, كما إن عزة أهل السودان وكبرياءهم وكرامتهم, لا تسمح بالتعامل في هذا الظرف التاريخي, إلا بمنطق القوة, حتى نؤمن حدودنا من مثل هذا العمل الغادر في المستقبل. إن المقام الآن مقام الوطن, وعلى الجميع أن يستجيبوا إلى نداء الوطن, صحيح أننا نختلف كأحزاب وسياسيين, ومفكرين وحملة رأي, ولكن يجب علينا جميعاً أن نستجيب عندما يكون النداء من الوطن, لقد قرأت العديد من المقالات والكتابات خاصة في الصحف الالكترونية, وللأسف الشديد هناك البعض الذين لا يفرقون بين الصراع السياسي حول السلطة, وطريقة الحكم, وبين الوطن عندما يتعرض إلى المحن, وآخرون يهربون من إبداء الرأي حول الاحتلال, وتصريحات قيادات الجنوب أنهم أرجعوا هجليج إلى حضن وطنهم وهذه فرية, حتى لا يغضبوا حلفاءهم, وهذه مصيبة في قيمة الولاء, الوطن ثم الوطن ثم الوطن وأخيراً الموقف من نظام الحاكم, يجب أن يكون سلم أولوياتنا ليس به خلل لكي تستقيم الأشياء عندنا, وخروج الجماهير واندفاعها وقد رسمت تقاسيم الفرح على وجوهها ويخونها التعبير وتستبدله بدموع تفيض مثل السيل المنهمر, هذا الخروج يجب على الجميع أن يعيد قراءة أوراقه لكي تتلاءم معه, لأنه تعبير حقيقي نابع من وجدان هذا الشعب المعلم. عندما تم احتلال هجليج ولاختلاف الزمن, اتصلت شقيقتي لكي توقظني في الثانية صباحا, واعتقدت أن هناك مكروهاً قد حدث, وبدون تحية أو سلام سألتني, هل أنت مؤيد حكومة الجنوب في احتلالها هجليج؟ لم أكن قد سمعت بالاحتلال, فقلت لها طبعاً لا, الوطن فوق الجميع, قالت الحمد الله خلاص أمشي نوم..! وإنني أعرفها لا تحب أن تقرأ صحيفة وليس لها علاقة بالسياسية ولكن كانت علاقتها بالوطن هي الأقوى والأكبر, لذلك كانت تريد أن تتأكد من موقفي, وأن سلم أولوياتي ليس فيه خلل, كان احتلال هجليج مكروهاً فعلاً قد حدث, وبالتالي لم أرجع للنوم, بل ذهبت أدير مؤشر التلفزيون لكل نشرات الأخبار في العالم, لكي أعرف حقيقة ما حدث, ثم انتقلت إلى الانترنت. كان أغلبية السودانيين يدينون هذه الفعلة, إلا من في قلبه مرض ونسأل الله لهم الشفاء ونسأله أن يقي الوطن من كل مكروه, ونسأله التوفيق.