عادة ما تُعرف المدن بحسب الأشياء التي تميزها أو الحضارة التي كانت تسود فيها .. ويطلق على بعض المدن لقب مدينة سياحية أو تاريخية أو صناعية .. وغيرها من الألقاب والأسماء .. هنالك مدن تميزت بالأدب والفن والإبداع لذا يطلق عليها مدينة مبدعة أو فنية .. من تلك المدن نختار اليوم مدينة منحت السودان عدداً من عباقرة الطرب والغناء منذ أمدٍ بعيد مثل مدينة ود مدني التي وهبتنا عمالقة في عالم الغناء .. مدني الاسم يعود اسم مدينة ود مدني إلى مؤسسها الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني السني. وكانت تكتب باللغة العربية إبان الحكم الثنائي «واد مدني»، ولفظ «واد «بالعامية المصرية يرادف لفظ «ود» (بفتح الواو) بالدارجة السودانية وكلاهما تحوير للفظ «ولد» بمعنى ابن. والابن المقصود هنا هو محمد الأمين ابن مدني، المتقدم ذكره. وتلقب ود مدني أيضاً، بمدني السني، ومدني الجزيرة، كما يطلق عليها اسم مدني، اختصاراً. العاصمة كانت بداية نشأة مدينة ود مدنى في سنة 1489م تقريباً، عندما حلّ الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني حيث أقام بالمكان الذي توجد فيه قبة الضريح الذي يحمل اسمه (وهو الآن خلوة لتعليم القرآن والفقه) على ضفة النيل الأزرق الغربية بمشروع الجزيرة الزرعي الشهير، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 186 كيلومتر جنوباً، وتعد إحدى المدن السودانية الكبيرة، وهي أيضاً عاصمة ولاية الجزيرة. المسّاح ود مدني مدينة تتنفس الإبداع وتشدو طرقاتها بالطرب الأصيل إذ بدأ منها نجوم كبار في ساحة الغناء الساحرة منهم شاعر الحقيبة علي المساح وقد أطلق اسمه على أحد شوارعها وهو شارع واحد الذي يمر بسوق مدني الكبير ومستشفى مدني وبرج المعاشات وعند تقاطعه بشارع المستشفى يمر بشارع الدكاترة حتى اتحاد فناني مدني. علي المساح من الشعراء الذين وهبوا باحة الغناء السوداني بجميل الأغنيات ونذكر منها أغنية (إنت بدر السماء في صفاك) التي تغنى بها ابن مدني أيضا الفنان إبراهيم الكاشف وهي أولى قصائده التي تم غناؤها ثم انطلقت بعدها مسيرته الفنية. اسمه علي أحمداي وقد أطلق عليه لقب المساح لأنه كان كثير التجوال ولا يعرف الاستقرار في مكان واحد وعندما كان يسير في إحدى الطرقات بود مدني لقيه أحد أصدقائه فقال له (إيه حكايتك يا علي عامل زي المساح), ويقال إنه طلب منه أن يكتب قصيدة يذكر فيها اسم زوجته واسمه فكتب قصيدته المشهورة: نغيم فاهك يا (أم زين) دواي شفايا البجبر قواي إلى أن يقول في نهايتها .. أنا الكاتم السر ما حكى... أنا الحاضن البلا ما أشتكى... أنا الحجة بحل مشبكا ... أنا المساح دمع البكا. العبقري الفنان الراحل إبراهيم الكاشف ابن مدنية ود مدني الذي ملأ الدنيا بجميل أغنياته حتى لقب بالعبقري وهو من المحدثين في الغناء السوداني. رحلة الكاشف الفنية كانت انطلاقتها في مدينة ود مدني وقد كان كورس مع فنان مدني الأول في وقتها (الشبلي) ثم من بعد شق طريقه وحده وكان يغني بنفس أسلوب الغناء وقتها (الرق والكورس) في ود مدني وكان يقلد سرور , ثم من بعد جاء إلى أم درمان واستقر بها ملتقى المبدعين وطريق الانطلاق نحو النجومية. سافر الكاشف بعد ذلك إلى مصر لتوثيق أغانيه وهنالك وضع الكاشف اللبنات الأولى لأول فرقة موسيقية سودانية (ما يعرف حاليا باوركسترا الاذاعة)... ويعد الكاشف أول من فكر وخطط ونفذ لإنشاء اتحاد للفنانين ثم من بعد دار اتحاد الفنانين وأدخل الكورس النسائي في الاغنية السودانية, إضافة إلى انه من أوائل الذين قاموا بعمل نوتة موسيقية لأغانيه. محمد الأمين لم تكتف هذه المدينة المبدعة بالمساح والكاشف فقط بل قدمت مجموعة أخرى من المبدعين أمثال الفنان محمد الأمين الذي انطلقت مسيرته الفنية من هنالك حيث نشأ وترعرع بها وبدأ أولى خطواته مع النغم وهو يعزف على آلة (المزمار) لينتقل إلى العزف على آلة العود التي عرف واشتهر بإجادتها وكان يردد في بداياته أغنية (بدور القلعة) التي كتبها شاعر الحقيبة صالح عبد السيد أبو صلاح حيث أدخل عليها محمد الأمين توزيعا موسيقيا جديدا يعكس مقدراته الفنية ليقدم بعدها مجموعة من الأعمال الموسيقية المتميزة بعد أن ارتحل نحو الخرطوم. نجوم مدني نجوم ود مدني الذين نثروا الإبداع في عموم السودان ليس من السهل حصرهم في هذه المساحة من هؤلاء الفنانين العملاق أبو عركي البخيت والفنان صديق سرحان وصديق متولي, محمد مسكين, ومحمد بخيت, والموسيقار د. الفاتح حسين, حتى وصلنا إلى جيل اليوم حيث واصلت هذه المدينة الفنية تقديم النجوم ومن جيل الشباب لمع نجم الفنان عصام محمد نور وغيرهم من الفنانين والمبدعين في مجال الغناء والموسيقى.