هل تحاكم مصر رئيسها السابق محمد حسني مبارك على سنوات حكمه الثلاثين أم على الاتهام بقتل ثوار 25 يناير؟ هل لا يزال نظام مبارك مستمراً حسب إفادات وردت بعد صدور الحكم؟ ما مدى تأثير قرار المحكمة على فرص الفريق أحمد شفيق في نتائج الجولة الثانية؟ أثبت قرار محكمة جنايات القاهرة أنه لا أحد فوق القانون وإن اختلف الناس بين مؤيد لقرار المحكمة ومعارض له تبقى الحقيقة أن مصر دولة المؤسسات أياً كانت الأمور فقد جاء القرار في رأي الكثيرين في مصر والعالم، مؤكداً تلك الحقيقة والأخرى أنه جاء حكماً سياسياً أكثر منه حكماً جنائياً لإرضاء الرأي العام في مصر المشحون بكراهيته للنظام امتد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ارتكب فيه مخالفات كثيرة يصعب حصرها وتبقى القضية المحورية هي كبت الحريات واعتقال المعارضين له. الانتقادات الموجهة لأحكام البراءة لمساعدي حبيب العدلي لا سند لها قانوناً ومنطقاً لأن المتهمين الأساسيين مبارك والعادلي لم تصدر ضدهما أحكاماً بارتكاب قتل المتظاهريين مما يؤكد أن توجهات لم تصدر فيهما للمساعدين وجاء الحكم سياسياً لعدم ثبوت الأركان الجنائية. يبقى السؤال على مدى تأثير قرار المحكمة على فرص المرشحين للجولة الثانية. الفريق شفيق يبدو أقل حظاً والذي أكد احترامه لحكم القانون وهو رأي وإن بدا من ظاهره واحتراماً للقضاء وتأكيداً لاستقلاليته إلا أن المراقبين يفسرون ذلك انحيازاً للرئيس السابق حسني مبارك بتعبيره بأن رئيس الجمهورية السابق مثل أمام محاكمة مصيرية لينتظر حكم القانون عليه وقد تسعى مجموعات شباب الثورة دفاعاً عنها الى تأييد مرشح جماعة الإخوان المسلمين منعاً لوصول شفيق للرئاسة بينما حاولت جماعة الإخوان المسلمين تأييد الرفض لأحكام المحكمة والمشاركة في المظاهرات التي انتظمت أرجاء الجمهورية سبباً لاغتضاب لأصوات شباب الثورة. وبقراءة للمشهد بعد صدور قرار المحكمة فإن النزول للشارع اعتراضاً على قرار المحكمة لن يجد قبولاً واسعاً من المواطنين يدعم هذا الاتجاه ما حدث من ردود أفعال من الغالبية الصامتة. ويصف السياسيين المعتدلين وأهل القانون أن الاعتماد على الشارع لا يكرس إلا مزيداً من الفوضى ولا في مصلحة البلد وأن الأيام القادمة وبداية الانتخابات كفيلة بامتصاص الغضب ليس دفاعاً عن الرئيس السابق محمد حسني مبارك ولا يقلل من رأينا حول سياسات النظام السابق ولكن ألا يكفي الشعب المصري أنه حقق أكبر انتصار للثورة وأعاد الحياة الحرة الكريمة لمصر التي قدمت نموذجاً للعالم في الانتقال الى نظام ديموقراطي بانتخابات لم يشكك في نزاهتها أحد في العالم مما يعد مفخرة لشعب مصر في التجربتين: البرلمان وانتخابات رئاسة الجمهورية. ألا يكفي للرئيس مبارك موقفه من تقديم استقالته بناء على رغبة الشعب المصري وحقناً للدماء بينما ظل غيره من الرؤساء دفاعاً عن مقاعدهم يحصدون أرواح شعبهم ولايزال بعضهم يمارس القتل والتشريد. يكفي مبارك بقاءه في مصر متمسكاً بوطنه بينما فرَّ آخرون رغم العروض والمغريات وهو بذلك يضيف صفحة لتاريخ بلاده مما دفع بقطاعات عريضة تتابع الأحداث وبعضهم لم يخفِ انحيازه للرئيس السابق محمد حسني مبارك. فالذي لا يعرف كيف يخسر ولا يعرف كيف يفوز. الاحترام لأحكام القضاء أياً كانت ضرورة لأن أي حكم قضائي يصدر يستحيل أن يرضي كل الناس وإن كان ثمة ما يدعو للاعتراض فليكن بالقانون بدلاً من المزايدات السياسية.