اختار الشعب المصري ديمقراطياً وطوعاً مرشح الأخوان المسلمين للرئاسة محمد مرسي العياط كأول رئيس مصري ينتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر القديم والحديث، إذا استثنينا انتخاب أعيان مصر لمحمد علي باشا بعد الحملة الفرنسية وسقوط المماليك ثم انقلب عليه بعد ذلك، ولكن انتخابات مصر بعد الثورة هي انتخابات نزيهة وديمقراطية، وفوز الأخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية يضع الأخوان المسلمين أمام تحديات كبيرة. في أول خطاب للرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، أكد على احترامه للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أكد على التزام مصر بكل المعاهدات التي وقعتها، وهي تعد رسائل مختلفة داخلية وخارجية يحاول أن يطمئن بها الجهات المرسلة إليها، ولكن نبقى في الرسالة الأولى، التي تتعلق بقضية الحرية والديمقراطية، هل أخوان مصر بعد وصولهم إلى السلطة سيحترمون الديمقراطية التي أوصلتهم إلى السلطة؟ أم سوف ينقلبون عليها؟ هناك متطلبات كثيرة لكي يطمئن الأخوان المسلمين القوى السياسية؛ حيث إن الاجتهادات الفكرية المقدمة في قضايا الديمقراطية والحرية من قبل المفكرين الإسلاميين المصريين ضعيفة وغير مقنعة، لأن أغلبها لم يتجاوز شعارات إسلامية، وهو التحدي أمام الجماعة الإسلامية. وهل تخلت الجماعة عن الدولة الإسلامية؟ أم أنهم مازالوا يراهنون عليها؟ فهنالك الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها وتريد إجابات مقنعة من قبل أخوان مصر لكي ترسخ الديمقراطية نفسها في المجتمع المصري. لقد وضح للأخوان المسلمين المصريين أنهم يستطيعون الوصول إلى السلطة عن طريق الديمقراطية، وكذلك يمكن أن يبعدوا عن السلطة عن طريق الديمقراطية إذا فشلوا في إنجاز ما وعدوا الشعب به في حملاتهم الانتخابية، وقبولهم بالإجراءات الديمقراطية. وحديثهم عن الدولة المدنية يعد مقولات جديدة ويعد تراجعاً عن المرجعيات السابقة للأخوان، خاصة أن كتاب «معالم في الطريق» للشهيد سيد قطب وكتاب «الدولة الإسلامية» لأبي الأعلى المودودي، أنهما كتابان ظلا يشكلان القاعدة المرجعية الأساسية لهم، وهذا التراجع يتطلب اجتهاداً فكرياً يتلاءم مع القناعات الجديدة، التي جعلتهم يوافقون بالعملية الديمقراطية ويقبلون بشروطها. في ظل العمل السري وعدم اعتراف النظام المصري بهم منذ قيام ثورة يوليو عام 1952م، كان الأخوان يرفعون شعارات الديمقراطية في وجه السلطة، مطالبين بنزاهة الانتخابات وقبولهم كحزب له شرعية العمل السياسي بحكم الواقع، ولكن النظام السابق كان يرفض، وملأ السجون بعضويتهم، حتى جاءت الثورة وأعطتهم الشرعية التي أوصلتهم للسلطة وفقاً لإجراءات ديمقراطية. وبعد أن أصبحوا على سدة الحكم بالوسائل الديمقراطية، فهل يعززون الديمقراطية ويحاولون ترسيخ مبادئها في المجتمع أم سيغدرون بها ويحاولون التنكر لها كما فعلت مجموعات من قبلهم؟ هذا هو التحدي الذي يواجهه الأخوان في مصر، ولكن جاء التأكيد على لسان الرئيس المنتخب محمد مرسي من أنهم سوف يحافظون على النظام الديمقراطي وينفذون كل الشعارات التي رفعوها، مع احترامهم القوانين وحقوق الإنسان. هذا التأكيد في حد ذاته يعد خطوة إيجابية ولكن الممارسة سوف تبين صدقه. ورغم تخوف البعض من الغدر بالديمقراطية، إلا أن الانتخابات الرئاسية والنسبة المئوية التي تحصل عليها المتنافسان تبيِّن توازن القوى في المجتمع المصري. وهي كانت ضرورية جداً لترسيخ الديمقراطية ومعرفة القوى السياسية لواقعها في المجتمع. وفي جانب آخر هنالك القوات المسلحة المصرية التي لا تسيطر عليها أية قوى سياسية. وهذه أيضاً تشكل ضمانة أخرى لقضية الديمقراطية ولا نستبعد الوعي السياسي الذي خلقته الثورة عند الجماهير وحضورها المتواصل في الشارع دفاعاً عن الحقوق، ومعرفتها للطريق الذي تستطيع أن تسلكه لكي تدافع عن حقوقها وعن الحريات ودعم قضية الديمقراطية. ولا أعتقد أن كل تلك العوامل غائبة عن جماعة الأخوان المسلمين، وكذلك غير غائبة عن العناصر المضادة للثورة وللديمقراطية. هذه المعادلة السياسية في الفهم هي التي تقوي الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية، ونسأل الله أن يوفقهم في ذلك.