{ تمهّل يا سيدي لا ترم الكلمات والعبارات بلا وزن، فجرح السيف يبرأ وجرح الكلمة يبقى طويلاً، وكل كلماتك مؤلمة وجارحة، واتهاماتك لا أساس لها من الصحة فأنت من قتل القتيل ثم مشى في جنازته دون أن يعرف شيئاً عن عذابه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأنت من لم يكن منذ البداية مدركاً ما يحدث، وإلا فماذا يعرف خيالك عن معاناتي من أحببتك مع الخيال؟! وإلى أي مدى قد يصل إدراكك لعذاب أنثى قتلتها ببطء وأسلمتها إلى النوم الأبدي، هي التي منذ أحبتك لدرجة اليقظة التامة لم تكن تنام!! { كم كنت ساذجة وحالمة، حين وقفت أنتظرك طويلاً، والظنون ترتسم حولي دوائر دوائر، وأنا أحاول أن أجد لك دائماً مبرراً للتأخير! وكانت الدوائر تتحول في غيابك الطويل إلى مقابر وسجون خانقة، والانتظار قاتل والترقب منهك والشوق موجع وأنا لا أنام. لم أشعر يوماً بالأمان في حضرتك، كنت أتوقع سكين غدرك في أية لحظة ولكنني ما فكرت أن جرحك سيكون قاتلاً وغائراً لهذه الدرجة. { لم تعد في حاجة للفرشاة والألوان لتلون أحزاني لبعض الوقت قبل أن تغسلها دموعي، فالميت لا يبكي، ولم تعد لدي دموع تغسل الأحزان، وادفن بئر وعودك فماؤها بعيد المنال ونيراني لا يطفئها بعض الماء ولم أعد أشعر بالظمأ، فالميت لا يشعر بالعطش. هل تسمع صوت أنيني في الليل وأنا أنتحب في صمت وأدعو عليك؟! هل وصلك صوت انكساري وأنت تبيعني بثمن بخس؟ هل تشعر بي وأنا أحاول أن أكتم صوت عويلي بوسادة الليل كي لا يوقظ بكائي نياماً حالمين حولي؟ ويكاد حنقي وفجيعتي فيك يتحولان إلى ذبحة قلبية أو جلطة دماغية، أو غيبوبة دائمة!! { ماذا تعرف أنت عن عذابي؟! عن السكين التي تسافر كل يوم في أوردتي وتحمل بصماتك؟! عن وجع الذكريات التي تصر على فتح نافذتها كل يوم لتطل في خاطري؟! أحاول أن أحطم بالجدار جبيني كي أشتتها وأخرجك من ذاكرتي، أحاول أن أهرب من تفاصيلك المنقوشة بها ويأكل ألم الذكرى كدود الأرض دماغي. { ماذا تعرف عن عذابي؟ حين فرضت عليّ أن أتلوث بواقع صفيق ومنهزم لا أرغبه ولا يشبهني؟! حين أتيتني حاملاً من الأعذار ما لا يليق بعقلي ونضجي وعطائي لك؟ وتظل تقسم بالله الأعظم أنك لم تخن ولم تنس ولم تحب سواي، وأظل أحتقرك كلما أمعنت في قسمك، وبعدت عن الله وعن قلبي. أما علمت أن للأنثى التي تحب بصدق حاسة لا تخطئ؟ وأنه لا يشم عطر الأنثى الأخرى في حياة الرجل إلا الأنثى؟! ولا تلمح بصمات الأنثى على جسد رجل وأشيائه مهما أمعن في إزالتها إلا أنثى؟! { الحب يا سيدي، لم يعد صديق المحبين الوديع، فالحب لا يعوق طريق الإخلاص بعثرات الخيانة، والخيانة ما عادت على أيامنا هذه بشعة ولا قبيحة ولا نتنة ولا منفرة، فخيانات هذا الزمن ملونة ومزخرفة ومعطرة وبعضها «مشروع»، وكل النساء على الأسرّة لدى الرجال سواء، تستوي المخلصة العاشقة بالعاهرة الفاسقة، وعند ما تجوع الفطرة الذكورية لا تفرق بين الوجوه ولا تميز بين الأنفاس. فالرجال يتذوقون بفطرتهم، والنساء يتذوقن بقلوبهن، المرأة «النظيفة بنت الأصول» تبحث عن جسد تمتلك قلبه، وأخرى وضيعة تُحسب عليها تبحث عن جيب يمتلك جسدها، وبينهما رجل يبحث عن مجرد جسد! فيقود الحب المرأة إلى الشوق والمتعة، وتقود الشهوة الرجل إلى كل النساء، ومن بعدهن أكذوبة الحب! { تلويح: لماذا يعبث القاتل بتراب الضحية؟ ألا يستحي بعد غدره أن يجعلها تنام وقبرها مغلق؟