بيروتُ ويحكِ أين السحرُ والطيبُ؟ وأين حسنٌ على الشطآن مسكوبُ؟ وأين رحلتنا والوجد مركبنا والبحرُ أفقٌ من الأحلام منصوبُ؟ وأنت مترعة النهدين مترفةٌ دنياك وعد بشوق الوصل مخصوبُ في مقليتك من الأهواء أعنفُها وفي شفاهك إيماءٌ وترحيبُ مقطع جميل من قصيدة عن بيروت نظمها الشاعر السعودي الذي ارتحل عن الدنيا من أيام.. غازي القصيبي، وهو شاعر متمكن نظم الشعر الفصيح وشعر التفعيلة ويقولون إن في النوعين الفصيح وشعر التفعيلة يبدو تأثره بالشاعرين العملاقين أبي الطيب المتنبئ ونزار قباني واضحاً. إن معظم الكبار من الشعراء العرب في العصر الحديث كتبوا عن بيروت خاصة بيروت ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت منتصف سبعينيات القرن الماضي وبيروت الأخرى أو الأولى التي كانت قبل الحرب الأهلية التي نشبت عام 1958م وانتهت بصيغة (لا غالب لا مغلوب). لقد ألهمت هاتان البيروتان كثيراً من الشعراء والأدباء العرب وكانتا ملاذاً جميلاً للهاربين من قسوة عواصمهم ، ويقال إنه جاء وقت كان فيه لكل عربي عاصمتان .. عاصمته وبيروت. ورغم أن الشاعر السعودي لم يلتجئ إليها هارباً من واقعه القطري وإنما كان يزورها سائحاً إلا أنه كان يعرف الدور المهم الأنيق الذي لعبته في حياة كثير من الشعراء والصحفيين والأدباء والسياسيين العرب. وقبل القصيبي فإن الشاعر السوري نزار قباني كتب الكثير عن بيروت وسماها (ست الدنيا) وهو عنوان لإحدى قصائده ومن قصائده الحلوة عن بيروت واحدة تحمل اسم (بيروت والحب والمطر) وقد استهلها بقوله: إنتقي أنتِ المكانْ أي مقهىً داخلٍ كالسيف في البحرِ انتقي أيِّ مكانْ إنني مستسلم للبجع البحري في عينيكِ يأتي من نهايات الزمانْ عندما تُمطر في بيروت أحتاج إلى بعض الحنانْ وعندما نظم نزار قباني قصيدته الشهيرة (متى يعلنون وفاة العرب؟) رد عليه القصيبي بقصيدة حملت عنواناً طويلاً هو (من غازي القصيبي إلى نزار قباني الذي سأل «متى يعلنون وفاة العرب؟»). نزارُ أزفُّ إليك الخبرْ لقد أعلنوها.. وفاةَ العربْ وقد نشروا النعيَ فوقَ السطورِ وبينَ السطورِ وتحتَ السطورِ وعبرَ الصورْ وقد صدَرَ النعيُ بعد اجتماعٍ يضم القبائلَ جاءته حِمْيرُ تحدو مُضَرْ وشارونُ يرقصُ بين التهاني عظيمَ الحبورِ شديدَ الطربْ رحم الله الشاعر السعودي الكبير غازي القصيبي ورحم الله الشاعر السوري الكبير جداً نزار قباني.