نظراً إلى التفاوت والاختلاف الكبير بين المجتمعات البشرية، فإننا لا نستطيع أن نعمم أي نظرية اجتماعية أو اقتصادية بحيث نطلق الأحكام على عموم جنس البشر، فنجاح أي نظرية في بلد ما قد يتحول إلى فشل ذريع في بلد آخر، وإذا تساءلنا عن أيهما أهم في الحياة: الحب أم المال؟ فقد تتباين الإجابات وفقاً للبيئة والسلوك وشكل الحياة العامة ومعدل الوعي لدى أهل البلد. وهذا لا ينفي أن هذا السؤال أصبح من الأسئلة المهمة والمحورية في حياة بني البشر، وإن كان بطرق وأشكال مختلفة بعضها مباشر أو غير مباشر، وبالإجابة عليه في كل الأحوال لا شك في إنه ستثب أمامنا نظرية نسبية لقياس الأمر، وربما يرى العديد من الناس أن ما ينقصهم هو الأهم بالطبع وفقاً للطبيعة البشرية، ولا نستطيع أن نجزم أو نراهن على أن الإجابة المفترضة ستكون مثالية وشفيفة بالقدر الذي يرجح كفة الحب على المال، فالمال أيضاً أصبح ضرورة مهمة ومؤثرة، إن لم يكن الأعظم تأثيراً على الإطلاق، ولكن أن تتحول النفوس البشرية بالقدر المرضي الذي يجعلها ترى في المال وحده المنقذ والمخلص وعصب الحياة القادر على شراء أي شيء فهو ما لا أرجو أن يصبح يوماً ما حالة عامة وشائعة. أعلم أن الحب في حاجة إلى المال، شأنه شأن كل التفاصيل في حياتنا اليومية، وهي حقيقة لن نلوي عنقها ونكابر بادعاء أجوف للرومانسية المفرطة. فالحب يتحول إلى شركة ومملكة تحتاج إلى المال، ولكن هذه الشركة بالمال وحده ودون الحب تتحول إلى مؤسسة رتيبة وجافة لها مواعيد عمل وانصراف وإجازات وغيابات مبررة وأخرى غير مبررة، لتصبح الحياة الزوجية «دواماً» ثابتاً ومملاً وبغيضا، وكثيراً ما يحرص بعض أصحاب النفوس التي ترى الحياة بغير جمال لافتقارها الحاد إليه، يحرص الواحد منهم على الزواج دون حب طمعاً في المال، ودون أن يضع في الحسبان مشاعر الطرف الآخر وأحلامه ورغباته، وكثيرة هي الأفلام وحتى الحكايات الواقعية من حولنا التي تناولت طمع فتاة ما في شاب غني واستعدادها للتنازل عن كل شيء سعياً وراء ماله على اعتقاد أنه يحقق السعادة المطلقة، وبالمقابل قد يشتري الشاب الغني الفتاة التي أعجبته فقط لأنه اعتاد أن يشتري أي سيارة جميلة تروق له. الجديد المدهش، أن بعض الشباب - الرجال- أصبحوا على استعداد لبيع أنفسهم لأول امرأة غنية، بغض النظر عن تفاصيل العمر أو مستوى التفكير أو نسبة الانسجام، لا يهم، المهم أن تؤمن له سيارة ومنزلاً ومصروفاً مجزياً يسمح له - ربما - بالعربدة كما شاء خارج إطار سجنها الذهبي. إذن، المال قد يعمي العيون والأخلاق والمبادئ رغم أن المال وحده لا يحقق السعادة، وهذا ما تثبته جميع النظريات والتجارب منذ الأزل، وربما نستطيع احتمال الحياة دون مال على أمل أن يبسط الله الرزق لنا، ولكن كيف يحتمل اثنان الحياة معاً دون حب؟ إن الحب يمنح الطمأنينة والصداقة الخالدة، فماذا يمنحنا المال وحده؟ ربما بعض الندم والكثير من الذل. ٭ تلويح: قد يشتري المال قناع الضحك، ولكنه لا يشتري صوت القهقهة.