«جاء في عدد أمس من «الأهرام اليوم» أن مصادر موثّقة كشفت عن نيّة الميرغني الإنخراط عقب عطلة العيد في اجتماعات مكثفة تشمل زيارة عدد من الولايات توطئة لعقد المؤتمر العام للحزب الذي يُعلن فيه الميرغني طبقاً للمصادر عن تنحيه عن القيادة والتمهيد لانتخابات ابنه مولانا محمد الحسن رئيساً للحزب وفقاً للانتخابات». وقلنا ونعيد إن أحد أهم أسباب ضعف الديمقراطية السودانية وعجزها عن الاستمرار، هو طائفيتها، ففي الحزبين الكبيرين التاريخيين الاتحادي الديمقراطي والأمة هناك وضع متميز استثنائي خاص لأسرتين هما أسرة الميرغني وأسرة المهدي وكان لهما نفوذ ماله حدود داخل الحزبين الكبيرين. وقد انتفى هذا النفوذ تماماً من الحزب الاتحادي بعد أن خرج منه الختمية عام 1956م وأسسوا مع آخرين حزب الشعب الديمقراطي الذي قاده الشيخ علي عبدالرحمن الأمين. وكان لأسرة الميرغني نفوذ على الحركة الاتحادية عموماً، وكما قلنا فقد انتفى هذا النفوذ من الحزب الاتحادي عام 56 لكنه تجدّد عام 1967 بعد اندماج الحزبين، الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي في حزب جديد حمل اسم (الاتحادي الديمقراطي). وقد رأس هذا الحزب الزعيم إسماعيل الأزهري وكان يرعاه زعيم الختمية السيد علي الميرغني الذي مات بعد سنة من اندماج الحزبين ليخلفه في زعامة الطائفة ابنه السيد محمد عثمان الميرغني. وبعد عام من موت السيد علي توفي الزعيم الأزهري وخلال تلك الفترة القصيرة من عام 67 إلى عام 69 تاريخ وفاة الزعيم الأزهري كان لأسرة الميرغني نفوذ وتأثير داخل الحزب قل كثيراً بعد وفاة السيد علي. وحتى خلال حياته فإن هذا النفوذ لم يكن بالحكم الذي كان عليه نفوذ أسرة المهدي داخل حزب الأمة، ولم تخرج رئاسة الحزب حتى الآن من آل المهدي، وكان يفيد الحزب الاتحادي الديمقراطي في حالة تنحي السيد محمد عثمان أن تتم رئاسة الحزب بالانتخاب الحر النزيه الذي تتوافر فيه الفرص المتساوية لكل من يأنس في نفسه الكفاءة لقيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يوصف أيام الكفاح ضد الاستعمار بأنه حزب الحركة الوطنية وليس أن يمهد السيد محمد عثمان لانتخاب إبنه مولانا محمد الحسن، الذي من حقه أن يترشح ولكن على قدم المساواة مع الآخرين وليس من موقع خاص متميز. إننا مازلنا بعيدين عن الديمقراطية، ورؤساء الأحزاب يظلون رؤساء حتى النهاية وفي اللحظات النادرة التي يبدون فيها الرغبة في التنحي فإنهم يمهّدون ويخططون لأن يكون الرئيس الجديد للحزب هو الابن أو الشقيق ولا يحدث شيء من ذلك أبداً في الديمقراطيات الحقيقية.\ إن ديمقراطيتنا هنا في السودان، وفي العالم العربي وإفريقيا ناقصة وأمامها الكثير لتصبح مثل الديمقراطية الممارسة في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، ولن نكتمل بين يوم وليلة فقد يستغرق ذلك زمناً طويلاً، وهو لكي يتحقق يحتاج إلى كثير من المطلوبات ومنها الامتناع تحت كل الظروف عن التوريث، وليس توريث الحكم وحده، وإنما معه توريث رئاسة الأحزاب المعارضة.