قبل سنوات قرأنا للمرحوم عبد الرحمن مختار كلاماً خلاصته أن الرئيس نميري في الطائرة وفي وجود جمال عبدالناصر ضرب الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل وأن الرئيس عبدالناصر تدخّل مستاءً وهو يقول للرئيس نميري: (موش كده يا قعفر)!. ولقد صدّق هذه الحكاية البعض ولم يصدّقها آخرون. وكنا ولا نزال منهم، فكلام مؤسس جريدة الصحافة ورئيس تحريرها الأستاذ عبدالرحمن مختار عن الرئيس نميري وعهده لا ينبغي أن يُعد من المسلّمات أو الحقائق المُطلقة. فقد كان الرجل أحد جرحى النظام المايوي الذي أمّم جريدته، وهو لم يكن دقيقاً في بعض كتاباته ومنها أنه في قمة الخرطوم العربية التي انعقدت في أغسطس 1967م قال إنه قابل صديقه مصطفى أمين مؤسس ورئيس تحرير أخبار اليوم المصرية، ففي ذلك الوقت من أغسطس 67 كان مصطفى أمين في (التأبيدة) متهماً بالتخابر مع دولة أجنبية هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد أُلقي القبض عليه في يوليو 65 وحوكم بالسجن مدى الحياة ثم أفرج عنه الرئيس السادات في فبراير 1974م. إذن.. فإن حكاية ضرب الرئيس نميري للأستاذ هيكل قديمة وليست سراً يُذاع لأول مرة، وهي كما قلنا غير قابلة للتصديق من وجهة نظرنا، وصدقها آخرون. ثم ظهر من أيام من يروي الحكاية وكأنها سر يُذاع لأول مرة، وإن كان فعلاً أن الرئيس نميري ضرب الأستاذ هيكل، فإن ذلك يسيئ للرئيس، وهو تصرُّف (بائخ همجي) فيه الكثير من عدم اللياقة والذوق، وفيه الكثير أيضاً من عدم المسؤولية والجهل بالتزامات الدور الرئاسي وتقاليده. ومن الغريب أن الذي كتب مؤخراً عن ضرب الرئيس نميري للأستاذ هيكل، فعل ذلك متصوراً أنه بذلك يؤكد أن نميري رئيس محترم مُهاب وزعيم كبير في حين أنه هبط بسمعته ومكانته إلى الحضيض وصوّره (فتوّة) يضرب بيده. ثم يجمح بنا الخيال لنفترض أن الرئيس نميري قال لأحد ما إنه ضرب الأستاذ هيكل، ونسأل هل كل ما يُقال يُكتب؟ لقد وجّه هذا الأحد الذي زعم أن الرئيس نميري قال في حضرته إنه ضرب الأستاذ هيكل أكبر إساءة وُجِّهت لنميري سواء في حياته أم بعد رحيله.