أنا من متابعي قلمك الرشيق والشيق منذ أن كنت تتعاطى الكتابة بصورة غير راتبة مروراً بروايتك المبهرة (مكالمة آخر الليل) التى التهمتها فى نهم طاوى ثلاث عاصب البطن مرمل، إلى أن صرت كاتباً راتباً فى صحيفة محترمة تتناول مواضيع الساعة بطريقة مختلفة عن غيرك من الكُتّاب مما أكسبك طابعاً متفرداً، ولكن فجأة ومن غير ميعاد تناولت موضوعاً مغايراً هو موضوع الصورة الفوتوغرافية وبذكائك المعهود ربطته ربطاً ذكياً بقضية اليوم (دارفور) وأنت تعلم قبل غيرك أهمية الصورة الفوتوغرافية فى عالم اليوم الذى حركته صورة نُشرت من داخل سجن أبوغريب وأحدثت تحولاً كبيراً فى الأحداث وتركت أثراً عميقاً. إن موضوع الصورة الفوتوغرافية والمصورين السودانيين لجد شائك وقضاياه لن تجد علاجاً شافياً إلا بانتباهة قوية من الدولة والمجتمع وقد أصبح المصور الفوتوغرافى قليل الأهمية و(الماهية) وأصبحت المهنة مهنة من لا مهنة له فتردت النتائج واهتزت صورة المصور إلا من ومضات هنا وهناك. والحالة التى آلت إليها الصورة الفوتوغرافية أرجعها أولا إلى انهيار قسم التصوير الفوتوغرافى بوزارة الثقافة لأنه كان الحارس الأول للبوابة الفوتوغرافية فى السودان مما ترك فراغاً فوتوغرافياً هائلاً ثم أجهزت وزارات الثقافة المتعاقبة، من بعد مايو، على البقية الباقية واعتمدت على الصورة المتحركة وأهملت الفوتوغرافية وللصحف دور سالب تجاه الصورة الفوتوغرافية. يا أخى فاز قبل أيام المصور المجتهد عصام الحاج بجائزة فى مهرجان عمان للصورة الفوتوغرافية ولم يحتفِ به أحد ولو كان من بين أولئك المؤدين لشغل الناس زماناً. وعلى ذكر أحد المصورين السودانيين أعود لعمودك الذى حوى أسطراً عن المصور الفنان محمد بشير الشفيع الذى عرفته مصوراً بارعاً أعطى المهنة فأعطته وهو فنان يحترم فنه ولا يتنازل عنه وعرفته جاداً وصاحب طبع مستقر من أسرة فنية تتعاطى مع الرسم والغناء؛ فوالده شاعر، أما أخوه عوض الله فهو فنان مؤسس لفرقة عقد الجلاد والدكتور الشفيع بشير أستاذ بكلية الفنون وهو فوق ذلك ذو عبارة أنيقة، ومحمد بشير هو فى الأصل فنان يرسم ويخط وأصبحت الكاميرا عنده أداةً من أدوات التعبير وحين يتسلل الضوء من خلال عدسته يخلق واقعاً فنياً متفرداً، ومن قمم التفوق عند محمد بشير التصوير الليلى فتجده يدهشك وهو يعرض مهارته التقنية ومعرفته بخصائص اللون والفلتر وما أن تنقب فى بورتفوليو (إلبوم) محمد بشير حتى تتفاجأ بأن الجو يستلزم الانتباه؛ فأنت أمام عدسة مغايرة تحاورك بمفردات متعددة عبر معرفة شديدة الخصوصية يحاول محمد أن يمسك من خلالها بالضوء واللون والمعنى، فهى تمثل مرحلة من مراحل نضجه الإبداعي، وقديما قيل (إن البصر الجيد يمكن أن يكتسب، فأعتنى ببصرك ولا تكسل، ابقِ عليه مشحوذاً) هذا هو محمد بشير وغيره كثيرون إن سمح المجال فسأتناولهم واحداً تلو الآخر من ذهب منهم ومن بقي ينتظر فبلادى حُبلى بالمبدعين. فريعابى محمد أحمد مصور فوتوغرافى من المحرر: أحييك أستاذ فريعابى وأسعد بإطلالتك البهية مثل صورة ليلية للرائع محمد بشير الشفيع وأضم صوتى الى صوتك وأطالب الدولة بإصلاح الحال وإعادة الروح والحياة لذاكرة الأمة (قسم التصوير الفوتوغرافى) الذى أضحى إرشيفاً فقط تُباع الصورة بجنيه وخلاص، وتوقفت الكاميرات عن التوثيق ومرت حقب دون أن تحجز مكانها الفوتوغرافى داخل قسم أودع القسم وانقطعت أجياله دون أن تتعاقب مثل الصور وهى توثق للأيام والأحداث والشخصيات. علمت أن (دال) عرضت على الوزارة عملية حوسبة كل الإرشيف على نفقتها ولكن الوزارة رفضت، بالله عليكم أية حكمة فى هذا الرفض والإرشيف مازال ورقاً وعفاريت؟!