(في تقييمي الشخصي.. في قضيتي الوحدة والانفصال، أنا شخصياً سأصوت للانفصال، ولكن هذا سيحدث في حينه عند الاستفتاء).. هكذا خاطب رئيس حكومة الجنوب (سلفاكير) الجماهير التي استقبلته في جوبا عقب عودته من نيويورك التي شارك في اجتماعاتها حول السودان.. (كير) الذي ظل طيلة الفترة الانتقالية من اتفاقية السلام التي وُقّّعت بين الطرفين في نيفاشا 2005م برعاية المجتمع الدولي والولايات المتحدةالأمريكية، يؤكد موقفه الداعم للوحدة، بل قال في احتفال لرابطة أبناء (الشلوا) بملاعب كبوني، رداً على اتجاهات الانفصاليين: (إن أول من حاربناهم الانفصاليين عند تأسيس الحركة الشعبية 1983م).. إلا أن (كير) في خطابه عقب عودته من نيويورك أعلن عن موقفه الجديد من الوحدة وهو يقول: إن الاستفتاء لا يأتي إلا مرة واحدة، وإذا أضعتم هذه الفرصة فإنها ستضيع الى الأبد! إذن هذا هو موقف (كير).. وهو أيضاً موقف أمريكا الذي بات أقرب للانفصال كما يصفه السفير د. الرشيد أبو شامة مدير إدارة الأمريكتين سابقاً، الذي قال ل (الأهرام اليوم): إن الموقف الأمريكي بات الآن أقرب للانفصال، وتأثر بموقف مجموعات الضغط التي تتمثل في اللوبي الصهيوني والمسيحي وغيرهما، إضافة إلى تقارير وكالة المخابرات الامريكية (CIA) ووزارة الخارجية، وهي المجموعات التي تضع الإستراتيجية الأمريكية. ويشير أبو شامة إلى أن الصهيونية تهدف الى إضعاف السودان من خلال الانفصال، وأمريكا تعتبرها حليفاً إستراتيجياً لها، لذا ستعمل أمريكا وفق تقديرات الصهيونية. وأردف أبو شامة: (إن سلفاكير التقى هذه اللوبيات في أمريكا وأكدت له موقفها من قضية الجنوب، ولكن لا أعتقد أن أمريكا ستقوم بدعم الجنوب في حالة الانفصال، فهي فقط يمكن أن تعد بذلك، ولكنها لا توفي).. وأشار أبو شامة إلى تجربة دول أوروبا الشرقية ودول البلقان، وقال: إن أمريكا وعدت تلك الدول بدعمها حال الانفصال عن الاتحاد السوفيتي، ولكنها لم تقدم شيئاً، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأمريكي متدهور، إلا أنه عاد وقال: (أمريكا ترمي إلى إيجاد مقر للقاعدة الأمريكية في افريقيا (الأفريكو) ويمكن أن تحقق ذلك في الجنوب). ذات اتجاه حديث السفير د. الرشيد أبو شامة ذهب إليه رئيس تحالف حركات سلام دارفور، المهندس إبراهيم موسى مادبو، وهو أحد داعمي إستراتيجية سلام دارفور، وقد قال في حديثه ل (الأهرام اليوم): إن هنالك مؤامرة دولية جرى الإعداد لها تستهدف السودان كله وليس الجنوب فقط، وأشار إلى حديث البروفيسور (دوداين محمد سعيد) الذي أكد فيه أن الصهيونية العالمية كلّفت فرع المخابرات بوزارة الخارجية الأمريكية بمهام في دارفور منذ أكثر من (30) عاماً. وقال (مادبو): إن أمريكا ظلت تعمل في الجنوب ولديها مستشارون، في إشارة منه إلى (روجر ونتر) الذي يتهمه البعض بدفع الحركة الشعبية الى مواقف معينة، وأنه ساهم في تدهور العلاقة بين شريكي الحكم في السودان، ويشير البعض الآخر إلى أنه ساهم في سحب وزراء الحركة في 2007م، من الحكومة، ف (ونتر) الذي عمل نائباً لمدير وكالة التعاون الأمريكية وكُلف بمسألة الديمقراطية، يُعد ضمن فريق الاختصاصيين في شأن السودان، وأوكلت له الإدارة الأمريكية من قبل مسألة الصراع في السودان، وبرز اهتمامه بالشأن الأفريقي العام منذ الثمانينات، وارتبط بالكنغو ويوغندا ورواندا، كما ارتبط بعملية (شريان الحياة) التي كانت ترعاها الأممالمتحدة.. وعمل ضمن مجموعة الضغط على السودان إبان فترة (كلينتون) و(مادلين أولبرايت) و(سوزان رايس)، وعرُف الرجل بموقف متشدد تجاه السودان، بخلاف المبعوث الامريكي للبلاد (اسكوت غرايشن) - المبعوث الخامس للسودان - الذي قال في 2 أبريل 2009م: (جئتُ إلى السودان ويداي ممدودتان، والأمر متروك للحكومة السودانية لتقدير كيف تريد أن تستمر العلاقات.. آمل أن تكون بالصداقة والتعاون). واعتبر المراقبون تعيين غرايشن مبعوثاً للسودان عقب طرد (13) منظمة أجنبية من دارفور متهمة بالتخابر مع المحكمة الجنائية، يمكن أن يُحدث تغييراً في العلاقة بين واشنطون والخرطوم، إلا أن البعض الآخر يرون أن غرايشن لم يختلف كلياً عن المبعوثين السابقين للسودان، بل يتهمه البعض بتأزيم واستغلال أزمات البلاد لصالح تحقيق ما ترمي إليه الإدارة الامريكية، والوقوف وراء تعقيد الأزمة في دارفور، فيما يعتبر المراقبون الموقف الأمريكي من الانتخابات التي جرت في السودان أبريل 2010م ما هو إلا دليل على نواياها بفصل جنوب السودان. لكن يبقى السؤال: هل يمكن لأمريكا أن تحقق أهدافها في الجنوب في ظل دولة فاقدة للمقومات البقاء.. أم هي مصلحة اسرائيل ورغبتها في إضعاف السودان؟ الصراع الأمريكي حول السودان يحسم لصالح مجموعة الصقور، أي لصالح اللوبي الصهيوني الذي يعمل على إضعاف السودان، فما بين اسكوت غرايشن، الذي ظل يطمئن الخرطوم بحدوث تغيير في السياسة الامريكية تجاه السودان، وهو ما دفع أكثر من مسؤول حكومي وقيادي بحزب المؤتمر الوطني إلي القول بأن الوحدة ممكنة ومؤكدة.. وبين (روجر ونتر) الذي تبنى مع مجموعة إدخال قضية انفصال الجنوب إلى مجلس الأمن والأممالمتحدةبنيويورك.. تبدأ - بما قاله سلفاكير - حكاية لم تنته بعد في جدول الإدارة الأمريكية.