مسكينة أمريكا، فأمراض السمنة تشفط 17 بالمائة من تكاليف العلاج فيها، وهو رقم هائل إذا سمعنا بالمليارات التي يتم إنفاقها هناك .. طلبا للعلاج. الأمريكيون السمان، مثل غيرهم من مرضى الهزال في إفريقيا، يعانون من سوء التغذية، صحيح أن السمان يلتهمون حجما أكبر من الأغذية والمشروبات، لكنهم يلتهمون الأغذية عالية السعرات التي تتحول لشحوم، في حين يتجاهلون التنويع الغذائي الضروري لصحتهم، فتكون النتيجة سقوطهم في المرض، في حين يسبب نقص الغذاء فقدان العناصر المهمة للصحة لمرضى الهزال، ومعظمهم أفارقة، فيسقطون أيضا صرعى المرض .. شفا الله كلا الطرفين وعافاهم مما هم فيه. والسمنة اقترنت في كثير من الأحيان بالنعمة، والسودانيون ما زالوا يصفون الشخص الممتلئ بأن (صحته كويسة ما شاء الله) ! لكن الأجيال الجديدة باتت تهتم أكثر بتفادي السمنة، باعتبارها صفة لا تمت أبدا للنعمة، كما لا تمت أيضا للمظهر الجميل الذي يريده الناس لأنفسهم. طبعا الفتيات أكثر المهتمات بهذا الجانب، ويبدو أن العولمة قد فعلت بعض أفعالها فيهن، حيث تم تسويق عارضات الأزياء العالميات كنماذج متقدمة للقوام الجميل، رغم أن معظمهن ذوات كيعان وكوارع وعظام ركبة بارزة ومخيفة، ولا يمكن أبدا أن تكون مما يجذب رجلا عاقلا، أو تجعله يعتبر ذلك من سمات الجمال !! المهم أن الفتيات بتن أكثر اهتماما بقوامهن، ومعظمهن يتفادين الأغذية التي تزيد أوزانهن وتجعلهن من فصيلة (القرنتي)، ومع ذلك، هناك من يعانين من الهزال، أو الهوس بأن أوزانهن أقل مما يجب، وهؤلاء يقعن صرعى الأدوية والوصفات التي تنفخ الأجساد، وهي علاجات تباع في معظم الأحيان من وراء ظهر السلطات الصحية، فتكون عواقبها على الصحة أشد وبالا من السقوط في مشكلة الهزال ونقص الوزن ! وما دامت السمنة والهزال علامة لسوء التغذية، فأظن أن ما يفعله البعض من تسمين قطعانهم من الماشية، هو نوع من الاعتداء على صحة الحيوان البريء (!!)، ونحمد الله أن الضأن والأبقار والجمال المسمنة لا تعرف ما يجري، ولا تحس بالمؤامرة على صحتها، ولو كانت تعرف لأدخلتنا في حوسة لا يعلم طرق الخلاص منها إلا الله ! وتسمين الماشية، بالمناسبة، له طرق (بلدية) تتسم بالغش، وتكثر مع إطلالة المواسم، مثل موسم الضحية، حيث يحرص بعض الباعة على جعل بهائمهم تبدو سمينة وممتلئة، ويكون ذلك بنفخ مظهرها الخارجي عن طريق سقياها بالماء المالح، فتكون النتيجة غش الناس، والإساءة لصحة الحيوان، وربما تعريض الحيوان للنفوق المبكر. أحد معارفي يصر بالمناسبة على أن قطة الجيران مصابة بسوء التغذية، وعندما رأيت القطة وجدتها مكتنزة شحما ولحما، فقلت له إنها في صحة ممتازة ، فقال بحدة : إنها سمينة ومصابة بالسكري والكولسترول والضغط وضيق التنفس، وسمعته يتمتم داعيا عليها بالهلاك، وعندما استفسرت عن سر الموضوع، عرفت أن القطة متخصصة في أفراخ الحمام الذي يربيه في منزله، حيث تتسلل إليه ليليا، ولا تأكل أبدا شيئا غيره ! الكل يموت .. هزالا أو سمنة، كان الله في عون الأمريكان السمان، والأفارقة النحاف، والضأن المنفوخ، والكدايس البطرانة !