وسط إجراءات أمنية مشدداً من الشرطة القضائية وحضور كبير من أولياء دم القتيلة وذوي المتهم وزملائه بالكلية وقّعت محكمة جنايات الخرطوم شمال برئاسة مولانا أسامة حسن عبد القادر أمس حكماً يقضي بالإعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً على (محمد عثمان أبوالقاسم) طالب كلية الصحة بجامعة الخرطوم المدان بقتل زميلته (إشراقة الطيب محمد) داخل مباني الكلية لمخالفته المادة (130) من القانون الجنائي لعام 1991م. وجاء في حيثيات القرار الذي تلاه القاضي أن الوقائع تلخصت في أن المتهم الطالب بالمستوى الثاني بكلية الصحة اعتدى في يوم 10/11/2009م على زميلته المجني عليها داخل مباني الكلية مسدداً لها (5) طعنات في مواضع مختلفة من جسدها نقلت على إثرها للمستشفى لتصعد روحها الى بارئها فكانت إجراءات البلاغ. ووجهت النيابة للمتهم بعد إجراء التحريات التهمة تحت المادة 130/146 من القانون الجنائي وأحالت البلاغ للمحكمة التي استمعت لقضية الاتهام وشهودها. وبعد إيداع مرافعات الاتهام والدفاع الختامية حجزت الملف للقرار ولتحديد مسؤولية المتهم الجنائية ناقشت المحكمة عناصر مادة الاتهام مع ما قدم من بينات ووجدت أن المتهم أقر بطعنه المرحومة بالسكين المعروضات في التحري واعترافه القضائي وعند استجوابه في المحكمة، وأكد ذلك أقوال شاهد الاتهام زميل المتهم والمرحومة ومشاهدته المتهم وهو يلاحقها ويسدد لها طعنات بالسكين، كما أكد شهود أنهم أخذوا السكين منه. ووصلت المحكمة الى حقيقة ثابتة بأن المتهم قام بطعنها بالسكين وأكد ذلك تقرير التشريح الذي أكد أن أسباب الوفاة الجروح الطعنية وتهتك الرئة مما أدى لنزيف حاد شديد. ورأت المحكمة علاقة السببية بين فعل المتهم والنتيجة وفاة المرحومة وثبت بذلك الركن المادي لجريمة القتل، ولإثبات الركن المعنوي وجدت المحكمة أن المتهم استخدم آلة حادة في جزء حساس مسدداً طعنة قوية نفذت من العنق للرئة، وعليه قررت المحكمة بكل اطمئنان أن المتهم كان يقصد قتل المرحومة وكان يعلم بأن الموت كان نتيجة راجحة لفعله. وبمناقشة المحكمة لموانع المسؤولية الجنائية وأسباب الإباحة وجدت أن الدفع بالجنون الذي استند عليه الدفاع والوارد في المادة (10) من القانون الجنائي ثبت للمحكمة أن المتهم لا يعاني من جنون دائم بل اكتئاب نفسي، وحسب الشاهد استشاري الطب النفسي فإن الاكتئاب من أمراض المزاج، وعليه فإنه لا يستفيد من الدفع بالجنون. وبمناقشة المحكمة للاستثناءات الواردة في المادة (131) التي تنقل الفعل من العمد الى شبه العمد وجدت بأن ملابسات القضية ليس فيها استفزاز أو عراك مفاجئ والدفع الوحيد هو ارتكاب المتهم للجريمة تحت ضغط نفسي وعصبي وبمناقشته وجدت المحكمة أن المحاكم الأعلى اختطت نهجاً راسخاً متمثلاً في التحقق من تصرفات المتهم بعد وقبل الحادثة وأثناء المحاكمة وعلى ضوء ذلك ناقشت البينات المقدمة في قضية الاتهام وأفاد المتحري بأنه وجد المتهم بالحراسة وكان طبيعياً. وذكر الشاهد أن المتهم نادى عليه وقال كلاماً غير مفهوم ثم نادى المرحومة واستل سكينه ودفع الشاهد وظل يلاحقها ويسدد لها طعنات وأن المتهم في الليلة السابقة للحادثة حذره قائلاً بأنه سوف يقتله إن رآه يتحدث معها وسمع بأن المتهم أغمى عليه في إحدى المرات. وذكرت الشاهدة صديقة المرحومة بأنها أخبرتها بخوفها من المتهم الذي ناداها وأخرج السكين. وفي ما يتعلق بأحواله فإنه كان متفوقاً أكاديمياً. وأكد مساعد التدريس بأنه شاهد المتهم يحمل سكيناً وكان في حالة هستيريا وبعد أن أخذوا منه السكين وسألوه رد: «الحصل حصل» وكانت حالته مستقرة وكان متميزاً أكاديمياً. وأفاد شهود الدفاع بأن المتهم لديه أدوية احترقت بداخلية حسيب وحدث أن أغمى عليه وأسعف للمستشفى وتم تحويله لمستشفى التجاني الماحي ووصف الدكتور حالته بالهستريا وكان مجروحاً ونفى محاولته الانتحار عندما سأله الطبيب. وذكر زميله بأنهما في يوم الحادثة كانا يستذكران معاً وكان بخير وعند عودتهما وجدا المحاضرة قد بدأت وكان المتهم زعلان لأن الدكتور وبخه على التأخير ولم يشاهده يحمل سكيناً ولم يلاحظ عليه أي سلوك أو تصرف غريب. ووجدت المحكمة أن استشاري الطب النفسي الذي عرض ما جاء بالكرت المحرر من التجاني الماحي أكد أنه وبالكشف على المتهم لا توجد هلاويس أو ضلالات أو اضطرابات نفسية بخلاف انخفاض الروح المعنوية والتعاسة والتشاؤم واحتقار الذات والشعور بالرغبة في الانتحار وإيذاء النفس، وفي حالة الفشل في الحب لا يؤذي الغير إلا في حالة وجود أعراض نفسية أخرى وإذا لم يتم علاجه يتحول لمرض نفسي. وأكد الاستشاري النفسي الموقع على التقرير المودع لدى المحكمة عن حالة المتهم أنه تبين للجنة الطبية أن المتهم يعاني من اضطراب نفسي (اكتئاب) وأنه عندما ارتكب الجريمة على مرأى وسمع من الناس كان لا يريد إخفاء جريمته وليس لديه تقدير للأشياء اللاحقة، ومرضه فيه جانب وراثي. ورأت المحكمة أنه لا توجد أية بينة تفيد بأن المتهم قبل ارتكاب الجريمة كان غير مدرك لأفعاله وجدت أنه كان يشارك في الندوات الثقافية بقراءة القرآن والشعر والغناء مما يؤكد بأنه كان في كامل وعيه وإدراكه وفقاً لمعايير استشاريي الطب النفسي. ورأت المحكمة أن الاكتئاب ليس مرضاً عقلياً أو نفسياً وهو من أمراض المزاج إلا في حالة متأخرة، كما أن الكرت لم يوضح أي مرض عقلي. ووصلت المحكمة الى أن المتهم قبل ارتكاب الحادثة كان سليماً ولا يعاني من أي مرض. وبرجوع المحكمة الى وقت ارتكاب الجريمة وجدت أن شاهد الدفاع الثاني زميل المتهم ومرافقه في يوم الحادثة ذكر بأنه كان طبيعياً وفي تمام عقله وبعد الحادثة كان في حالة ذهنية ممتازة من أقواله التفصيلية ووصفه للحادثة ويسند ذلك دافع المتهم لارتكاب الجريمة بأنه هدد المرحومة إذا ما تحدثت مع أي شخص وأنها عندما بعدت عنه أحس بحالة نفسية وأخذوه للمستشفى وأعطوه حبوباً وعاد لطبيعته. وبناءً عليه قررت المحكمة أن المتهم لا يستفيد من الاستثناءات الواردة في المادة 131/ط من القانون الجنائي وقررت إدانته بصفة نهائية بالقتل العمد. وعرضت المحكمة على وكيل أولياء الدم شقيق المرحومة العفو أو قبول الدية أو القصاص وطالب بالأخير فوقعت على المدان عقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً نزولاً على رغبة أولياء الدم.