أجرى المواجهة سوسن يس ، إنعام عامر «الشريعة الإسلامية سيتم تطبيقها في الشمال، وسيتم الاهتداء بمبادئ الشريعة لأنها هي المرجعية الوحيدة القادرة على مواجهة الهجوم الاستعماري الصهيوني على السودان». «عليّ أن أقف مع القوى الوطنية، القوى التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة الإسلامية بحذافيرها هي المبادئ الوحيدة القادرة على إجهاض المخطط الصهيوني». «وبالمناسبة لو أقمنا تلك الدولة؛ دولة الشريعة الإسلامية، فلن نقاتل لوحدنا، بل سوف يقاتل معنا كل الخيرين في العالم». «الوقوف مع هذه الحكومة بقيادة البشير ومع التيار الإسلامي ليس واجباً وطنياً فقط بل واجب شرعي» . ربما يُدهَش القارئ إذا عرف أن العبارات أعلاه صدرت عن غازي سليمان، وأنها صدرت بألفاظها في ذات السياق الذي يحمل ذات المعاني والدلالات؛ الذي سوف يجده القارئ في هذا الحوار، ولم يتم اقتطاعها من سياق آخر. نحن مثلك أيها القارئ، أثارت تصريحات وعبارات غازي دهشتنا: ٭ دكتور غازي، كلامك عن الشريعة نراه غريباً، فأنت قبل فترة قصيرة كنت لا تتحدث بهذه الطريقة، هل حدث لك انقلاب في أفكارك أم ماذا؟ - أنا ما كنت أتحدث بهذه الطريقة، لكل مقام مقال يا أختي، ولكل زمان أنغامه، أنا لست بجبل أُحد، أنا أتغيّر وأتبنى الأفكار مع المواقف ومع الظروف، ظروفنا الحالية تجعل الوقوف مع الحكومة ومع التيار الإسلامي أمراً شرعياً ولازماً. ٭ إذن أنت اكتشفت أنك خلال الفترة الماضية كنت تسير في الاتجاه الخاطئ، والآن صوبت اتجاه سيرك؟! - أبداً، «أنا كنت ماشي صاح، لكن منو المشى معاي؟! المشى غلط هم القوى الديمقراطية». أنا كنت رئيس التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية، كنت أطالب بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والتعدد العرقي والديني، وانصاعت (الإنقاذ) بشجاعة. ٭ نعم، أنت كنت كذلك، ولكنك أيضاً كنت ضد الشريعة الإسلامية. - ضد الشريعة الإسلامية؟! ٭ نعم، أنت كنت علمانياً. - باستنكار: «منو القال ليك كنت علماني؟ منو القال ليك كنت علماني؟!» قالها مرتين. ٭ ألم تكن؟ - طلِّعي لي نص أنا قلت فيه، أنا ود الشيخ حامد أب عصاةً سيف يا أستاذة! علماني؟! إنت دايرة تشتميني يعني؟! طلِّعي لي نص بقول أنا كنت علماني، أنا كنت أدافع عن حقوق أهل السودان كله، في الجنوب وفي.... أنا دافعت عن الكاثوليك في مرحلة من المراحل، ليس من موقف علماني، لكن من موقف حقوق الإنسان لأنهم يشاركوننا في المواطنة. ٭ إذن أنت الآن تقف ضد العلمانية وترى أن وصفك بها شتيمة لك؟ - يا أختي، أنا لم أتحدث عن العلمانية، وبعدين لفظ العلمانية هذا ذاته، هذه أشياء فلسفية وأشياء معقدة جداً. ٭ دكتور غازي، ماذا تريد الحركة الشعبية من الشمال؟ - «الحركة الشعبية ياتا؟!» امشي أسألي باقان! لا يوجد حالياً حركة اسمها الحركة الشعبية! ٭ ماذا يريد باقان ومن يقفون خلفه من الشمال؟ - حالياً لا توجد الحركة الشعبية لتحرير السودان، حركة الدكتور جون قرنق دي مابيور حركة وحدوية تعض بالنواجذ على السودان بوحدته وسلامة أراضيه، الحركة الحالية تتسلط عليها بعض الدوائر الموالية للصهيونية العالمية المعادية للسودان، وهي تتحدث باسمها. ٭ د. غازي، الحركة الحالية ماذا تريد من شمال السودان؟ - الحركة الحالية مثلها مثل دولة إسرائيل التي تريد تمزيق العالم العربي والإسلامي. ٭ هدفها فصل الجنوب فقط أم...؟ - «أبداً، ما تغلطوا!» الحركة الصهيونية العالمية هدفها فصل الجنوب، هي تعمل على فصل الجنوب من أجل زعزعة الشمال الإسلامي، يعني إذا كانت الدعوة من أجل فصل الجنوب أنا كنت سأساندها وأقول لهم «مبروك عليكم ودعناكم الله والرسول»، لكن الدعوة الحالية التي تهدف لفصل الجنوب هي دعوة لا تمثل مصالح أهلنا في جنوب السودان، بل هي دعوة صهيونية، وجزء من الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة، هدفها تمزيق السودان وإخراجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي مثلما أُخرج العراق من المعادلة، ومثل استهداف سوريا حالياً وجنوب لبنان، ومثل المؤامرات التي تحاك حالياً ضد إيران، انفصال الجنوب هو بداية مؤامرة كبرى على منطقة الشرق الأوسط. ٭ قلت في هذا الحوار إن الوقوف مع الحكومة الحالية ومع عمر البشير هو ليس واجباً وطنياً فحسب ولكنه واجب شرعي، أنا أريد أن أسألك سؤالاً: من الذي تغيّر؟ غازي سليمان أم عمر البشير؟ - تغيّر عمر البشير بعد 9 يناير 2005م، وتغيّر غازي سليمان بعد 9 يناير 2005م. تغيّر عمر البشير لأنه انصاع لحقوق أهل السودان في ما يختص بالديمقراطية والتعددية السياسية، وتغيّر غازي سليمان لأنه كان يدعو للتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، حالياً السودان ينعم باحترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية، ومن ثَمَّ أنا في خندق واحد مع المشير عمر حسن أحمد البشير. ٭ لكنك يا دكتور لو كنت فهمت المشير البشير لكنت ستكون معه في خندق واحد منذ البداية لأنه ما كان سيستمر كحكومة عسكرية قابضة لكن كان سيذهب في اتجاه التحول الديمقراطي. - إذا أنا لم أفهم عمر حسن أحمد البشير منذ البداية فهذا خطؤه وليس خطأ غازي سليمان. ٭ دكتور، بإمكاننا أن نقول لك إن الاتجاه الذي كنت تسير عليه كان خاطئاً، لأنك ساعدت من خلاله الذين هم الآن عندهم أهداف ضد السودان. - أنا لم أقف مع أي شخص كانت عنده أهداف ضد السودان. أعطيك مثالاً، أنا وقفت ضد ضرب مصنع الشفاء عندما هرب... ٭ مقاطعة: ولكنك... - مقاطعاً: انتظري... عندما هرب البعض؛ أنا وقفت وقلت إن السودان بريء من هذه التهمة الجائرة، هذا أولاً. ثانياً أنا وقفت ضد دعاوى البارونة كوكس بأن هناك رقاً في السودان. أنا مواقفي موثقة. أنا لم أقف في يوم من الأيام مع القوى المعادية للسودان ولسلامة أراضيه. ٭ أنت وقفت مع الحركة التي تقف وراءها القوى الصهيونية الآن. - الحركة عندما وقفت معها لم يكن من ورائها صهيونية، كانت من ورائها فكرة الدكتور جون قرنق دي مابيور، وكاذب من يدّعي أن هناك تأثيراً خارجياً على الدكتور جون قرنق، الدكتور جون قرنق كان رجلاً مستقلاً ومواطناً سودانياً بدرجة فارس، ولا يماثله في هذه الاستقلالية إلا المحترم أبيل ألير والدكتور لام أكول. ٭ وأنت أسهمت في تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، التي لم تصنع إلا لإذلالنا، لإذلال العالم الثالث. - أنا أسهمت في تأسيس محكمة الجنايات الدولية، لكن لم أسهم في تحويلها إلى مخلب قط للدوائر الصهيونية والإمبريالية العالمية. ٭ هي أصلاً لم تؤسس إلا لتكون مخلب قط لتلك الدوائر. - أبداً أبداً أبداً «قالها ثلاثاً»، هي صنعت للدفاع عن حقوق المستضعفين في العالم، لكن اختطفت كما اختطفت قضية دارفور. ٭ ألست نادماً على أنك أسهمت في تأسيسها؟ - أبداً أبداً أنا لست نادماً؛ لأنني من الذين فضحوها حالياً وأصبحت قراراتها في مواجهة السودان حبراً على ورق، وبالمناسبة أكبر هزيمة للوريس أوكامبو أن غازي سليمان يقف ضده. هم كانوا يعتقدون أنني سأكون أول المساندين لهم، لكنني تيقنت أن موريس أوكامبو ومن معه قد أصبحوا أداة للصهيونية العالمية، وأداة من أدوات الاستعمار العالمي الجديد. ٭ ماذا يعني إدخال هذا الملف في الدائرة الداخلية للمحكمة الجنائية؟ - يا أختي هذا الملف يعتبر حبراً على ورق، لا يستحق الحبر الذي كتب به، والدول الأفريقية كلها مجتمعة ما عدا بعض العملاء من الرؤساء الأفارقة ضده، والدول العربية كلها ضده، ودول أمريكا اللاتينية ضده، وأنا تحدثت مع رئيس البرازيل الأسبق وهو ضدها. محكمة الجنايات الدولية ماتت ونحن في انتظار دفنها. ٭ هناك الآن دوائر وتكتلات في الغرب تقف ضدها، وهناك من يقول إن أوكامبو أنهى حياته القانونية بطريقة سيئة. - أوكامبو في مؤتمر عقد عن محكمة الجنايات الدولية قبل عام ونصف في جمهورية الدومنيك قال لي: «أنت تغيّرت يا غازي سليمان»، قلت له «أنا لم أتغيّر ولكن أنت تغيّرت، أنت أصبحت أداة من أدوات الاستعمار العالمي الحديث». ووقف معي في موقفي هذا كل الحضور من غانا ومن كينيا ومن أوغندا ومن ملاوي ومن جنوب أفريقيا، ويشهد على ذلك الدكتور عثمان خالد مضوي الذي شتم أوكامبو أمام المؤتمرين وقال له «أنت عدو لدول العالم الثالث وأنت بعيد عن العدالة الدولية وأنت أداة من أدوات الاستعمار العالمي الجديد ومن أدوات الصهيونية العالمية». ٭ دكتور غازي، نعود بك إلى موضوع الحركة الشعبية، تقديرات بعض الاقتصاديين في حكومة الجنوب تقول إن ما لدى حكومة الجنوب من عملات صعبة لن تكفيها لشهر واحد إذا انفصل الجنوب. - يا أختي أنا لا أريد أن أشمت في زيد أو عبيد، لكن أنا أقول لك إن واقع الحال وكل الظروف تدل على أن الانفصال الذي «يلحس من ورائه» بعض قادة الحركة الشعبية؛ سيكون وبالاً عليهم وسيعود على أهلنا في الجنوب بالضرر، «اللهم لا شماتة»! ٭ من خلال قراءاتك للأحوال السياسية، ما هي تكهناتك للفترة المقبلة؟ - أنا متفائل جداً، لأن أهل الشمال يعرفون الخطر القادم، وهم على استعداد لمواجهة هذا الخطر، وأعتقد أن هذه الحكومة على علم تام بالخطر القادم، وهي على استعداد تام لمواجهته، لكن الجهات الأخرى لا علم لها بما سيؤول إليه الحال في جنوب السودان، هذا هو مصدر تفاؤلي، إننا نعلم ما يخبئ لنا القدر وهم لا يعلمون. ٭ هُمْ مَنْ؟ - الجهات الأخرى، الدوائر الصهيونية وعملاؤها. ٭ الخطر القادم الذي تتوقعه أسيكون علينا أم عليهم؟! - الخطر عليها هي «نحن ما بتجينا أيِّ حاجة».
