{ غريبة هذه السياسات التي ظلَّ يصدرها بنك السودان خلال الآونة الأخيرة، وكأنَّ السيد محافظ البنك المركزي، الدكتور «صابر محمد حسن»، ليس هو الاقتصادي الخبير والمصرفي الضليع، والموظَّف السابق بالبنك الدولي قبل سنوات طويلة..!! ماذا دهاك يا «صابر».. وما هذا الذي يجري في سوق النقد الأجنبي؟! وما هذا الذي يمكن أن نسمِّيه (احتيالاً) على عملاء البنوك (المحترمين)، وليس (الجوكيَّة)..؟! { بنك السودان قرَّر الدخول في (سباق الماراثون) مع (السوق السوداء) التي لا يمكن اللحاق بها - إطلاقاً - في ظل هذه الظروف السياسيَّة المعقَّدة، بسياسة (الحوافز) الكارثيَّة التي تتَّبعها إدارة النقد الأجنبي في بنك السودان. { فمنذ يوم الاثنين «الثاني والعشرين» من الشهر المنصرم بدأ بنك السودان في توجيه جميع البنوك بتنفيذ (سياسة الحوافز) للراغبين في بيع النقد الأجنبي للمصارف والصرافات، وقد سجَّلت نسبة الحافز في اليوم الأول (16.29%)، ثم بدأت في الارتفاع يوماً بعد يوم لتبلغ يوم «أمس» نسبة (18%)..!! { عندما أعلن البنك المركزي هذه السياسات كان سعر الدولار في السوق الموازية (السوداء) حوالي (2.9) جنيه مقابل الدولار، فإذا به يبلغ أمس الأربعاء (3) جنيهات مقابل الدولار في البنوك والصرافات..!! ليقفز إلى (3.5) في السوق السوداء..!! { ومازالت البنوك تزيد نسبة الحافز، لترتفع تبعاً له أسعار العملات في السوق الموازية، بنسبة تتجاوز الفارق بين السوقيْن قُبيْل تنفيذ هذه السياسات (العجيبة) التي تكشف عن (تخبُّط) واضح انتقل من القطاع السياسي إلى القطاع الاقتصادي، ليكتمل مشهد المأساة التي نعيشها هذه الأيام في (سودان اللاوعي)..!! { إنَّ أجهل جهلاء بلادنا بعلم الاقتصاد يعلم جيداً أنَّ تحرُّك سعر «الدولار» أو «اليورو» أو «الريال السعودي» في البنك، يعني تحرُّكه بالمقابل، صعوداً أو هبوطاً، في السوق الموازية. { ولا حلَّ لهذه المعضلة إلا بضخِّ المزيد من العملات الأجنبيَّة في البنوك لصالح العمليَّات (الحقيقيَّة).. صادراً أو وارداً.. بعيداً عن تهريبها لصالح المضاربين في العملات. وفرة النقد الأجنبي تعني انخفاض أسعاره.. أمَّا زيادة الحوافز فتعني زيادة أسعاره. { كل هذا (كوم)، و(كوم آخر) ما أقدمت عليه البنوك بتنفيذ (سياسة الحافز) على عملاء (محترمين) بأثر رجعي بحجَّة أنَّ (هذه توجيهات بنك السودان)..!! { فعلى سبيل المثال، لو كنت عميلاً بأحد فروع البنك «الفلاني» وشرعت في إجراءات (مرابحة دولاريَّة) قبل شهرين لاستيراد سلعة ما، وقام البنك بخصم نسبة «60%» من قيمة الصفقة من حسابك بسعر «اليورو» في ذلك التاريخ، وتبقَّت عليك نسبة ال (40%)، فإنَّ البنك يصرُّ الآن على إلزامك بدفع قيمة «اليورو» بسعر (اليوم)، بعد شهرين من تنفيذ المعاملة وإعلامك بقيمة الأقساط المتبقية وتواريخها..!! { وهذا يعني أنَّك إذا دخلت في معاملة مصرفيَّة، وهيَّأت أمرك لدفع مبلغ (60) ألف جنيه شهرياً للقسط الواحد لمدة عام، فإنَّك - الآن - بموجب (سياسة الاحتيال) هذي - مطلوب منك دفع (80) ألفاً شهرياً، بزيادة «عشرين».. مثلاً..!! { كيف تنفِّذون مثل هذه السياسات (الربويَّة المتحرِّكة) - يا شيخ «صابر» - على عباد الله المساكين؟! كيف تنفِّذون السياسات (بأثر رجعي).. وبنسبة متصاعدة على العملات الأجنبيَّة، لا يعرف أحد، متى وكيف تتوقَّف؟!! وكيف يثق الناس في البنوك بعد اليوم في ظل هذه (الهرجلة).. والارتجال؟! { أنا لا أعلم من هو مدير إدارة النقد الأجنبي في بنك السودان، الذي يشارك أو يشاوره د. صابر في إصدار هذه السياسات، ما هي خبراته.. وميزاته التي جعلته يدير أهمَّ وأخطر إدارة بهياكل الاقتصاد في بلادنا هذه الأيام، ولكنَّ الذي أعلمه أنَّ هذا الرجل ينبغي أن يغادر هذا المقعد عاجلاً غير آجل، وإلاَّ حلَّت بالبلاد والعباد كارثة أسوأ أثراً من كارثة (انفصال الجنوب).