تنشغل الأوساط السودانية المختلفة حالياً بما يتردد عن أن حركات دارفور المسلحة بدأت تتجه نحو الجنوب؛ وذلك بعد التطبيع الكامل بين الحكومتين السودانية والتشادية، الأمر الذي أثر كثيراً على حركة العدل والمساواة، التي كانت إنجمينا ظهراً قوياً وداعماً مستمراً لها. وظهرت مؤشرات هذا التوجه من جانب حركات دارفور، مع ذهاب «مني أركو مناوي» إلى جوبا واستقراره بها ورفضه الرجوع الى الخرطوم، في خطوة وصفها المراقبون بأنها تمثل انهياراً لاتفاق أبوجا الذي وقعه مناوي مع الحكومة. وتقول الأنباء المتداولة إن هناك فصائل دارفورية أخرى بدأت في التوجه للجنوب، وأن الحركة الشعبية استضافت «عبد الواحد نور» زعيم حركة تحرير السودان، فيما تشير إلى أنه قد جرت مقابلة بين نور ومناوي وبعض قيادات الحركات الدار فورية بجوبا، وتؤكد تقارير إعلامية أنه قد تم الاتفاق بينهم على التنسيق في المرحلة المقبلة على أن تكون جوبا نقطة الانطلاق المستقبلية لهذه الحركات وأنه بدأ بالفعل نقل قوات وأسلحة للحركات الدارفورية إلى جنوب السودان استعداداً للتحرك بعد انفصال الجنوب، وهي المعلومات التي تنفيها الحركة الشعبية جملةً وتفصيلاً، وفي المقابل يؤكدها المؤتمر الوطني ويدلل على صحتها بالمعلومات أيضاً. المتابع للأوضاع يجد أن الحركة الشعبية لديها تكتيكات خاصة وذكية تسعي إلى أن تكسب بها في مراحل محددة من شريكها في الحكم (الوطني)، ففي فترة ما قبل الانتخابات الأخيرة وتحديداً في أبريل الماضي، استطاعت (الحركة) أن تجمع القوى السياسية بجوبا، وكونت تحالفاً معها ضد المؤتمر الوطني؛ وذلك للضغط عليه لتقديم تنازلات لصالح الحركة في الانتخابات، وبالفعل نجحت الحركة في استقطاب قوى الشمال وربحت من وراء ذلك الكثير، مثلما فعل أيضاً المؤتمر الوطني في استقطاب قوى الجنوب ضد الحركة الشعبية، ولكنه لم ينجح مثلما نجحت الحركة الشعبية، ربما كما يرى البعض لضعف القوى الجنوبية أمام الحركة الشعبية. المراقبون كانوا يرون أن الأمور تسير بشكل عشوائي من قبل (الحركة)، إلا أن المتابع للأمر فيما بعد يتحقق من أن الأمور تسير في الجنوب بوعي وذكاء وتخطيط مسبق ومحكم، والدليل على ذلك أن الحركة استفادت من القوى السياسية في وقت الانتخابات، وعندما جاء الاستعداد للاستفتاء، وأتت الرغبة المؤكدة والواضحة من جانب الحركة الشعبية في الانفصال، مع إمكانية حدوث حرب بين الشريكين؛ كان على الحركة أن تؤمن نفسها، وأن تظهر بأنها الأقوى وأن تجمع كل أعداء النظام في الخرطوم حولها؛ وخاصةً من الأعداء المسلحين، ليكون لديها أوراق الضغط التي تجبر بها الحكومة على تنازلات تتماشى مع مرحلة ما بعد الانفصال. وللوقوف على حقيقة الأوضاع، وصحة ما تردد عن هجرة الحركات المسلحة الدارفورية إلى الجنوب كشفت مصادر مطلعة ل«الأهرام اليوم» عن مجموعة من التحركات من قبل حركة العدل والمساواة نحو جوبا، وقالت المصادر التي رفضت الإفصاح عن اسمها أن للعدل والمساواة معسكراً صغيراً بمنطقة « قوق مشار» بقيادة حميد آدم الدناع، وهاشم أحمد عبد الحميد ديدان، وعدد (25) فرداً مسلحين بعدد (2) قرنوف، (22) كلاشنكوف، ويلقون العناية من قبل اللواء «سانتينو» قائد قوات الجيش الشعبي بمنطقة ونيك، وأن سانتينو قد تبرع لهم بمبالغ مالية أكثر من مرة كان آخرها في رمضان الماضي بقيمة (5000) جنيه خصصت لشراء تعيينات للقوة. وأضافت المصادر أن سانتينو نفسه قد رتب مع شخص آخر يدعى محمد آدم أبوتوب لقاءً مع الفريق فيانق دينق في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس عند زيارته منطقة ونيك بشأن معسكر الحركة وضرورة دعم الجيش الشعبي له. كما كشفت المصادر أنه في مطلع أغسطس الماضي وصل أحمد آدم بخيت، الأمين العام للعدل والمساواة، وأحمد تقد لسان ومنصور أرباب إلى كمبالا والتقوا هناك ببعض المسؤولين الأوغنديين، الذين سهلوا لهم مقابلات سرية مع بعض قادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي، وأن هذه اللقاءات أثمرت عن وصول بخيت لمدينة ياي في الجنوب، ولسان إلى جوبا في الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، ولحق بهم القادة أركو سليمان ضحية، وبخاري أحمد عبد الله، وعبد الرحمن العربي، ليستقر الأول والثاني بجوبا ويستقر الثالث برفقة بخيت في ياي. وذكرت المصادر أنه عقب مضايقتهما بالشمال في الشهر الماضي تسللت قوات من العدل والمساواة جنوبا، وأنها اشتبكت مع القوات الحكومية أكثر من مرة؛ مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفها، وهو ما استدعى نقل الجرحى للعلاج. وقالت المصادر إن بخيت نجح في الحصول على موافقة بعض أطراف الحركة الشعبية على أن يتم ذلك بالجنوب، وهو ما حدث بالفعل في الثاني عشر من نوفمبر الماضي، وتم نقل أكثر من (40) جريحاً للعلاج، ووافق اللواء سانتينو على تسليم عدد (17) منهم فقط بدعوى أن حالتهم خطرة، وأن ذلك قد تم بإشراف العميد خالد أبو حجيل والعقيد ديو فان وجون بول مسؤول الاستخبارات بمنطقة ونيك. وأضافت المصادر أنه تمت عمليات مماثلة أكثر من مرة لجرحى آخرين، وذلك تحت إشراف اللواء سانتينو قائد الفرقة بونيك بشمال بحر الغزال، حيث تم نقل (14) جريحاً تعذر علاجهم بالمستشفى العسكري ناحية منطقة أويل لمستشفى قرب الحدود مع يوغندا وكينيا. وكان التخطيط نقل أولئك الجرحى لنيروبي في السابع عشر من نوفمبر الماضي، لكن الطائرة تعطلت قبل إقلاعها، وبعدها تغيرت الوجهة. كما ذكرت المصادر فإن الحركة نقلت عدداً آخر من جرحى العدل والمساواة للعلاج بالجنوب، وكشفت عن ضباط الحركة الشعبية المتورطين في عمليات دعم العدل والمساواة، وقالت إنهم الفريق فيانق دينق، اللواء سانتينو قائد قوات الجيش الشعبي بمنطقة وينك، والعميد خالد أبو حجيل، والعقيد ديو فان، وجون بول مسؤول الاستخبارات بمنطقة ونيك، اوغستينو قرمبا، ونقيب ريغان قلواك، دانيال كونق قائد راجا، تونق، ودينق جون. وكشفت المصادر أن الأسلحة والذخائر التي استلمتها العدل والمساواة من الحركة الشعبية، تضمنت ذخائر المدافع (14)، (5) ملم، والزوو (23) ملم، وال(37) ملم، وال(107) ملم، بالإضافة للصواريخ مضادة للدروع والطيران وذخائر الدوشكا والكلاشنكوف وغيرها. وعلى صعيد حركة عبد الواحد نور قالت المصادر إن لحركة عبد الواحد مكتباً نشطاً بجوبا برئاسة سيف الدين عيسى الذي يحظى بقبول كبير هناك مكّنه من مقابلة الكثيرين من قادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي. ومن عناصر المكتب النشيطين أيضا صالح إسحاق ومحمد أبكر السنوسي وإسحق أبكر لئيمة. كما ذكرت المصادر عدداً من نشطاء تحرير السودان موزعين في بعض الولاياتالجنوبية منهم العمدة أحمد أتيم الناطق الرسمي باسم شيوخ معسكرات النازحين الذي انتقل مؤخرا للإقامة بجوبا، وكذلك صالح إسحاق التاجر بجوبا، وقالت إنه تم الترتيب لزيارة كل من د. محمد محمدين القيادي بالحركة المقيم بكندا والقائد الميداني نمر محمد عبد الرحمن إلى جوبا عن طريق نيروبي وذلك لترتيب زيارة عبد الواحد الشهر الماضي لجوبا. أما مجموعة مني أركو مناوي فقد أفادت المصادر أنه بعد استقرار مناوي بجوبا ظل هناك ليخطط لنقل عدد من أتباعه إلى هناك، ولسحب القوات التابعة له إلى جوبا الى فترة ما بعد الاستفتاء، وهو ما دفعه لرفض تنفيذ الترتيبات الأمنية خاصةً عمليات دمج القوات. وذكرت المصادر أنه يوجد تحت راية مجموعة مناوي الآن بجوبا أبوالقاسم إمام الحاج الوالي السابق لغرب دارفور إثر خلافه مع الحكومة، كما يوجد بها القائد جمعة أحمد حقار قائد عام قوات الحركة، برفقته (18) من قادة فصائل وسرايا الحركة؛ حيث يتلقون دورة تدريبية بواسطة مختصين من الجيش الشعبي. وأضافت المصادر أن عدداً من الحركات الأخرى موجودة بجوبا وأن هناك أخرى تنوي الذهاب إليها، وأن الحركة تحاول توحيد مجموعة من الحركات وينتظرون وصول القائد «عبد الله يحيى» رئيس حركة تحرير السودان قيادة الوحدة لجوبا في هذا الشأن. العناصر التابعة لحركات دارفور بالجنوب بحسب المصادر أكثر من العدد المذكور، وأن غالبهم من العاطلين، وهو ما يتسبب في خلق الكثير من الإشكالات لهم وللآخرين خاصةً الجهات التي ترعاهم داخل الحركة الشعبية، التي تلتزم بدفع فواتير إقامتهم بفنادق المدينة. وأوضحت المصادر أن هذه المجموعات تجد رعاية أكبر من د. رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية، وأنه يُوفر لبعضها حتى تذاكر الوصول لجوبا والإقامة بفنادقها لفترة تطول لشهور. وتوقعت المصادر أن يتضاعف عدد المتوجهين لجوبا في الفترة القادمة بدرجة كبيرة وذلك بعد التحولات الحالية بدارفور، مؤكدة أن ذلك يتطلب اتخاذ تدابير كافية لمنع تفلتات أولئك سواء كان على مستوى حكومة الجنوب أو المركز. من جانبه نفى «عبد الله يحيى»، رئيس حركة تحرير السودان قيادة الوحدة، تلقيه أية دعوة لزيارة جوبا. وقال يحيى ل«الأهرام اليوم»: «نرحب بأي برنامج يسعى لتوحيد الحركات بدارفور»، مؤكداً أن حركته تهدف من هذا التوحيد إلي السلام وليس الحرب، مضيفاً: «نريد توحيد الحركات بدارفور من أجل سلام الإقليم، ولا نريده من أجل الحرب، ولن نسعى إلى الحرب إلا إذا فُرضت علينا»، مبينا أنه قام بجولة أفريقية في الشهرين الماضيين لزيارة قواعد الحركة في كل من الكاميرون وإثيوبيا وتشاد، مؤكداً أن الهدف من هذه الجولة كان للتشاور مع قواعد الحركة في المرحلة المقبلة، والظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، وأن هذه الزيارة لم تكن رسمية من قبل هذه الدول، مضيفاً عدت للقاهرة من هذه الجولة منذ (5) أيام وأنوي عمل جولة أخرى لكن الأمور لم تتضح بعد. محمد حسين شرف، رئيس مكتب العدل والمساواة بالقاهرة، يؤكد أيضاً ل«الأهرام اليوم» أن أي حديث عن أي وجود لحركته في الجنوب سواء بشكل سياسي أو عسكري هو حديث غير صحيح، ويقول إن الخرطوم تعلم جيداً أن الحركة موجودة في ولايات دارفور الثلاث وكردفان ومناطق أخرى متفرقة من السودان، مؤكداً أن عناصر حركته خاضت معارك عدة مع القوات السودانية مطلع الشهر الماضي. ويضيف شرف أن الحديث عن نقل قوات أو جرحى من جانب الحركة إلى الجنوب، لا يعدو سوى كونه «تخيلات» من قبل أجهزة الاستخبارات السودانية، معتبراً أن ذلك يأتي في إطار محاولات شغل الرأي العام والتشويش علي ما يجري بشأن الاستفتاء.