{ الحقيبة المدرسية ظلت ولفترة طويلة مثار نقاش حول المواد والمناهج التي تحتويها، وهل تعبر حقيقة عن العصر ومقتضياته، وعن الأمة وتحدياتها، وعن الوطن ومقوماته التربوية، وعن الإنسان والقدرات الكبيرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه، ومدى قدرة المناهج التي يدرسها أبناؤنا الطلاب على تفجير طاقاتهم والاستفادة القصوى من تلك القدرات، وكذلك يتجه النقاش ويتصاعد حول قدرة هذه المناهج في بلورة طريقة تفكير مثلى لأجيالنا، عموماً الحديث كثيف في هذا الجانب، وأرى ثمة قصور كبير ما زالت مناهجنا تعاني منه، وأرى مباشرة مؤذية تتسم بها بعض المناهج التي يدرسها الطلاب وتحتاج إلى جهود كبيرة، وهي جهود نوعية تحتاج إلى كفاءات نوعية كذلك، وهذا موضوع طويل وشائك، ولكن ما أود الكتابة عنه هو الحقيبة المدرسية في كمّها وحجمها ووزنها، وهي الآن تعد من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها طلاب المدارس، ولا تنتبه إليها الأسر ولا الجهات المعنية، وهذا ما جعل هذه المشكلة مستمرة دون أن تجد الحلول الكفيلة بوضع حد لها. { لفتت نظري إلى هذه القضية المهمة الأستاذة ندى محمد بشير بالشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) عبر رسالة بريدية خصتني فيها بمعلومات قيّمة عن حجم الأضرار الخطيرة التي تتسبب فيها الحقيبة المدرسية، وتجعل أطفالنا عرضة لأمراض وأعراض تهدد مستقبلهم وصحتهم. { دراسة أمريكية أجريت مؤخراً جاء عنوانها (صلة الحقائب المدرسية بآلام الظهر عند المراهقين) أكدت أن آلام الظهر تتضاعف بصورة مثيرة خلال فترة المراهقة بسبب حمل المراهقين لحقائب مدرسية مليئة بالكتب المدرسية الثقيلة وهو ما يتسبب في آلام شديدة في ظهر الطالب، وكذلك تزداد الحالة سوءاً مع تزايد كمية الكتب التي يحملها الطالب، وقد تقدَّم عدد من الأطباء بمناشدات حيال زيادة الأوزان التي يحملها الطلبة، وأن هذه الأوزان الزائدة سيعاني منها هؤلاء الطلبة عندما يبلغون سن الثلاثين أو الأربعين، ويقول بروفيسور أمريكي يدعى ديفيد باسكوس وهو متخصص في طب العلاج الفيزيائي في جامعة (أوبورن) الأمريكية، إن تأثير حمل الحقائب المدرسية على الحالة الصحية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن 11 13 عاماً ويصابون باعوجاج في العمود الفقري لدى العديد منهم، كما أنهم معرضون للإصابة بالتهابات عضلية على الكتفين أو أحد الكتفين. { لجنة أمريكية تعنى بسلامة المنتج للمستهلك ذكرت في تقرير لها أن ثلاثة آلاف وثلاثة من الطلبة، تم علاجهم في غرف الطوارئ من إصابات لها علاقة بحمل الحقائب المدرسية، وأبرز أعراض هذه الإصابات عدم وجود استقامة في العمود الفقري، وأن أعمار هؤلاء الطلبة الذين تم علاج حالاتهم تتراوح ما بين 5 - 14 سنة. { تكشف بعض الدراسات أن آلام الظهر ليست مرضاً وإنما هي عرض، وهي تنتج عن أنماط عدة يتبعها الشخص في حياته، وأن 85% من الحالات قد ينجح الطب في تشخيص أسبابها، وأن حوالي 15% من الإصابات يعجز الطب عن إيجاد تفسيرات دقيقة لها. وآلام الظهر تحتل المرتبة الثانية بعد نزلات البرد الشائعة، ويسمي الطب آلام الظهر التي تستمر لأقل من شهر بالحادة، أما تلك التي تستمر لفترة أطول فيسميها بالحالة المزمنة، وتهتم الدراسات بالكشف عن أهمية العمود الفقري وتحث الناس على الاهتمام به والعمل على سلامته، وتؤكد تلك الدراسات أن مراكز الطاقة في جسم الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمراكز العصبية التي تتفرع من العمود الفقري، ولهذا فإن المسألة أكبر من آلام في الظهر وحسب، وهذا ما يدفع بنا إلى الاهتمام بصحة أبنائنا وسلامة أعمدتهم الفقرية وحمايتها من الحقائب المدرسية الثقيلة. { تقدم الدراسة التي بين أيدينا نصائح مهمة للأسر وللمدارس والمعنيين بالعملية التعليمية، أبرزها ألا يتجاوز وزن الحقيبة المدرسية 15% من وزن الطالب، بمعنى أن الطالب الذي وزنه (40) كيلوغراماً يجب ألا يزيد وزن حقيبته عن (6) كيلوغرامات ويجب أن تكون مثبتة وذلك بربط حزام الحقيبة على الوسط لأن الحقيبة المتحركة تلحق الضرر بأعصاب الظهر، ويجب اختيار حمّالات محشوة جيداً باللّباد حتى لا تشكل عبئاً على الكتفين أو الكتف أثناء حملها على كتف واحد، وعلى الطالب تجنُّب حمل أغراض غير ضرورية. { وزن الحقيبة المدرسية يجب أن يجد حظه من الاهتمام والدراسة من قبل المسؤولين بالوزارات المعنية بالعملية التعليمية في البلاد ويجب أن يجد كذلك اهتماماً من القطاعات المهتمة بصحة الإنسان والأطفال في بلادنا، ونأمل أن تعقد ورشة بواسطة هذه الجهات المعنية للخروج بأفكار تساعد على وضع سياسات تعليمية تخرج بحلول لهذه المشكلة التي يعاني منها أطفالنا.