الفنانة المصرية المعروفة برلنتي عبد الحميد، التي رحلت قبل أكثر من أسبوع عن عمر يناهز (75) عاماً، كانت ملء السمع والبصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إذ تميزت بجمال أخاذ كنجمة إغراء، وتستعيد ذاكرتنا ونحن في ميعة الصبا أفلامها التي كانت تعرض آنذاك في دور السينما بالسودان، ومنها: (درب المهابيل)، و(ريا وسكينة)، و(رنة خلخال)... إلخ، وقد أسهمت تلك الأفلام في أن تضرب برلنتي أوتاد شهرتها في أعماق الوسط الفني العربي. عادت نفيسة، أو (برلنتي)، وهو اسم الشهرة لها؛ إلى واجهة الإعلام بعد أربعة عقود تقريباً من الغياب، وخاضت معركة ضد سيناريو فيلم (الرئيس والمشير) الذي كتبه ممدوح الليثي، حيث نما إلى علمها أن بعض أحداث الفيلم تسيء إليها، ورأت أنه يجب حذفها، ومنها أنها صورت كامرأة مستهترة، وأنها كانت (وراء أزمات المشير ونهايته المأساوية)، بالرغم من أنها تحمست للممثلة سمية الخشاب التي كانت تؤدي دورها. بيد أنه لا بد أن نذكر أن برلنتي عبد الحميد قد عاودها الحنين إلى الحياة الفنية بعد أن انقطعت عنها في مطلع الستينيات، حيث قدمت في منتصف السبعينيات فيلم (العش الهادئ ) أمام النجم محمود ياسين، بعد ذلك اختفت عن المشهد الفني لما يقارب عقداً من الزمان، بعد أن قدمت (الهانم بالنيابة عن مين)، إلا أنها عادت إلى الأضواء مرة أخرى من خلال كتابيها (المشير وأنا)، و(الطريق إلى قدري.. إلى عامر)، وقدمت فيهما نفسها كشاهدة على مرحلة تاريخية مهمة من فترة مفصلية في عهد عبد الناصر، إذ فجرت في الكتاب الثاني مفاجأة أن زوجها المشير عبد الحكيم عامر «مات مقتولاً وليس منتحراً»، وكشفت في هذا الكتاب عن معاناتها بعد النكسة، حيث تعرضت للاعتقال وقتها وحرمانها من ابنها الرضيع والاستيلاء على أموالها ومجوهراتها. من خلال اطلاعنا على كتاب (الفنانون والمخابرات) للكاتب طاهر البهي، والصادر في العام 2005م عن دار العلوم للنشر والتوزيع؛ نجد أنه كانت له وقفة في الفصل الرابع أمام (برلنتي والزواج من المشير)، وتعرض فيه طاهر إلى نشأتها وطموحها وصعودها الصاروخي كبطلة سينمائية وهي ما زالت طالبة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، بل صار لها (صالون أسبوعي) بمنزلها تردد عليه كبار الكتاب والأدباء والفنانين والصحفيين، وقد كان انفتاحها على تلبية دعوات السفارات مدخلاً لأن ترى فيها المخابرات المصرية آنذاك أن تكون (برلنتي) النموذج الذي يمكن أن يكتب التقارير عن رجال السلك الدبلوماسي، إلا أن الشق المهم في ما تلقته من عروض هو عرض زواج المشير عبد الحكيم عامر منها، وكان زواجاً سرياً، حيث أصبحت زوجة للنائب الأول لرئيس الجمهورية وقائد جيشها، من ثم وضعت أسرار الدولة في رقبة فنانة حققت زواج (الفن والسلطة)، وهنا يبين بعد ذلك (احتراق الفنان بفعل لهيب السياسة)! { خروف سأل خروف: مروا عليك عيدين وما ضبحوك ليه؟ قال: أصلوا أنا مسجلني في شهادة الميلاد (حمار)!!