وحج اليسار إليك نفاق وأقطع حد ذراعي رهاناً ستصبح ثم تراهم سماناً وثم يشد عليك الوثاق ..عبدالقادر الكتيابي الكل يزعم أنه يحب هذا الوطن أكثر من الآخرين، اليمين، اليسار، الوسط، يسار الوسط، وسط اليسار، يسار اليسار، يسار اليمين، ويمين اليمين، وكل الأشياء التي نفعلها مبررة، لأنها من أجل الوطن، فازدياد الأسعار أيضاً لأجل الوطن، فالذين يبتغون الوحدة يفعلون ذلك حتى لا يتشظى الوطن، والذي ينشدون الانفصال يسعون لتخليص الوطن من «تجاذبات الهوية وارتباكاتها»، كل ذلك لأجل الوطن ولا لشيء غير الوطن! لكن رجلاً سوادنياً بسيطاً من عامة هذا الشعب، لا يمتلك حزباً ولا قلماً، لقد هزمنا جميعاً، لما هطلت دموعه أمامنا مدراراً، حدث ذلك المشهد المهيب منذ يومين باستقبال الصحيفة، وكنت لحظتها أهم بالدخول عندما اعتقلني ذلك الرجل البسيط بمكتب الاستقبال، كان يتحدث بحرقة عن «مكافأة الإخوة الجنوبيين» للشمال السوداني الكبير الذي احتضن وآوى وأنفق ولم يستبق شيئاً، النفط والذرة والجوار والمودة والاحتضان، ثم يكمل جملته هذه بالبكاء، البكاء المهيب، كما لو أن الرجل جاء ليعلمنا كيف يكون «الانتماء لهذا الوطن»، وهو يكتب أمامنا «مقالاً بالدموع» ويا له من مقال، فلئن كان الآخرون يكتبون مقالات الوطن بالأحبار والشموع، فالرجل يكتب بالدموع، أي والله، ثم يتمالك نفسه بعض الشيء قبل أن يذهب في نوبة بكاء أخرى مرعبة، قال «إن دعا الداعي فلي سبعة مجاهدين»، فالرجل الذي بذل الكسرة والانكسار والدموع والحسنى، جاهز في المقابل إلى أن يبذل النفس والنفيس، فقولوا لي بربكم، من الذي يمتلك سبعة مجاهدين وسيلا من الدموع؟، من الذي يستطيع أن يكتب مقالاً بالدموع، وفي غمرة هذه المشاهد الناصعة، لم يقل الرجل إنه يمثل اليسار أو اليمين أو الوسط، لكنه رجل بحجم وطن، الرجل الوطن، الوطن الرجل، بل لم يحدثنا عن اسمه ولم يتح لنا فرصة لالتقاط صورة تذكارية «وتوثيق هذه الدموع». يا عابد الحرمين لو أبصرتنا.. لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه.. فنحورنا بدمائنا تتخضب تضاءلت كل أشيائنا أمام دموعه وبدا كما لو أننا نعبث بحب الأوطان ونلعب. فهو في المقابل جاهز الى أن يعبر المسافة ما بين «الدموع والدماء» فكما قدّم بين يدي نجواه للوطن دموعاً غزيرة، فهو في المقابل مستعد لتقديم الدماء! ثم يأخذ الرجل نسخة من الجريدة «الأهرام اليوم» وينسحب بهدوء من مسرح الأحداث ويذهب راجلاً حاسر الرأس حافياً، وهو (يكشت) نعالاً بالياً أكل عليه الدهر وشرب، إنه الرجل الفقير الغني، هو غني بهذه الدموع التي جفت في ماقي الآخرين، إنه لعمري أعظم من رئيس أي حزب ومدير أي شركة وطنية وغير وطنية، إنه لا يمتلك الدنيا التي نمتلكها ولكنه يملكها في «لحظة دموع» ويجردنا من ملكيتها، كما لو أنه «فيتوري هذا الزمان».. دنيا يملكها من لا يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر فيها من لم يأخذ ما تعطيه على استحياء والغافل.. من ظن الأشياء هي الأشياء مخرج.. أخي الأستاذ سبدرات أين أنت، من مواسم الكتابة بالدموع، أين أنت فهذه مواسم الرجوع، «لوطن القمرة والقماري»! أما أنا فقد تركت كل مقالاتي التي كنت أحملها جانباً، وذهبت لأجلس على سفح هذه الدموع، فالوطن للذي يملك دموعاً أغزر. مخرج أخير.. للوطن أيضاً.. لا شوفةً تبل الشوق.. ولا رداً يطمن أريتك تبقى طيب إنت.. وأنا البي كله هيّن ومالي غير أشعاري أكتبها فيك وأدون..