ماراثون الاستفتاء قد انتهى، وها هو الجنوب بدأ يتهيأ لإعلان الدولة الجديدة وها هو الشمال أيضاً يتهيأ لاستقبال الحدث، وما بين هذا وذاك تظل القوى السياسية في الشمال في حالة ترقب وحراك تارة إيجابياً وتارة مضاداً خاصةً أحزاب المعارضة في مواجهة أحزاب الحكومة، وفي هذا تتداخل اتجاهات القوى السياسية اختلافاً، تحالفاً، استقطاباً. إذن فالكرة تتدحرج نحو المواقيت المهمة من عمر السودان الدولة الواحدة أو السودان الدولتين، من هنا وحتى نهايات الشهر الكل مازال يُجمع، حكومةً ومعارضةً، على ضرورة توفر حراك وطني عام بعيداً عن أجواء التوتر والشحن العقدي أو الطائفي أو الاستقصائي، حراك يمكّن البلاد من العبور بنجاح ويعزز من قيمة الدفاع عن المصالح الحيوية التي تربط الشمال بالجنوب، فما بين الجنوب والشمال روابط وعوامل دفع تتغلب على كل عوامل الإبعاد والتجافي والتمزيق وحتى نجعل من الحدث المقبلة نتائجه، مهما كانت سالبة، حدثاً للأمن والاستقرار والسلام، ولأن ذلك كله لن يتأتي إلا بسلوك سياسي راشد ومسؤول من كل القوى السياسية شمالها قبل جنوبها، لا بُد لنا من وقفات للحديث والحوار وهنا لا بُد من أن يبرز دور البرلمان الذي يقع عليه عبء التنظيم القانوني والتشريعي والدستوري والسياسي للمرحلة المقبلة. بهذه المقدمة يجيئ حوارنا، الذي يُنشر على حلقتين، مع الأستاذة سامية أحمد محمد نائبة رئيس المجلس الوطني التي توجهنا إليها بعدد من الأسئلة أجابت عليها بشجاعة، حيث بدأنا هذه الحلقة من الحوار بالسؤال: { ما هي نصائحك الآن للقادة المعارضين الكبار أمثال الصادق المهدي الذي توعَّد باعتزال العمل السياسي وحدَّد موعداً لذلك؟ - نصائحي للكبار أقول لهم ليس في الاعتزال ولا في الانتفاضة مصلحة لوطنهم وإنما المشاركة الفاعلة هي الأنفع، والدستور أتاح لمن يريد أن يعارض أو يقول رأيه أو يعبئ الجمهور لمناصرة رأيه، فهذا كله متاح إلا الحرب أو الاستعانة بالخارج في زعزعة أمن البلاد، ولذلك من يعتقد أن في رأيه صواباً فيمكن أن يفعله، والمستقبل كفيل بإيضاح هذه الآراء الخاصة بهم إن كانوا قد استفادوا من الماضي أو غيره وفي هذه الآراء فائدة لبلادهم أم لا. ولكن في رأيي أن المواطن السوداني قد حسم أمره وهو أنه دائماً في اتجاه الخطوة إلى الإمام وبالتالي فهو لا ينظر إلى الخلف. { ماذا تقولين إذاً في فاروق أبو عيسى الذي هو أيضاً يقود المعارضة ويتقدَّم الصفوف هنا؟ - فاروق أبو عيسى كان موجوداً في البرلمان وأجاز كل القوانين التي جاءت بهذه الأجهزة، وبالتالي فإذا أراد أن يعارض فليعارض ولكن أخشى على الآخرين من التعويل على هذا. { في السابق شهدنا حيوية وحراكاً سياسياً للمجلس الوطني في دورات انعقاده الماضية، بدءاً من المجلس الوطني الانتقالي، وبالتالي وبعد نضوج التجربة البرلمانية ورسوخها وصار البرلمان منتخباً تماماً كان من المنتظر لعب دور أكبر في الساحة السياسية وتقديم مبادرات، سواء أكان على سبيل السلام ومستقبل البلاد من الوحدة أو على سبيل الحراك السياسي الوطني العام بين الحكومة والمعارضة، فهل من دور منتظر مازال مرجواً هنا؟ - البرلمان هو الذي شرَّع وأجاز القوانين التي أفضت إلى هذه المراحل، ومرحلة الفعل للبرلمان تمَّت لهذه المرحلة. وكان البرلمان قد مدَّد دورته وفترته لينظر في المسائل الاقتصادية وغيرها ولم يفِضّ الدورة طيلة فترة الاستفتاء، فظل في حالة انعقاد. وكما ذكرت لك فالبرلمان أجاز القوانين والتشريعات وحقيقةً كان موجوداً، والآن القضايا هي قضايا الأحزاب أكثر من قضايا البرلمان، وبالتالي فالحراك السياسي من ندوات وغيرها هي مسائل أحزاب أكثر من كونها مسائل برلمان، والبرلمان سيأتي دوره بعد نتيجة الاستفتاء. { هناك من يرى أن البرلمان من كبر القضايا والأحداث التي يواجهها السودان بات منقبضاً ومشلولاً سياسياً، ما ردكم على ذلك؟ - هو قطعاً ليس منقبضاً ولا مشلولاً سياسياً، فهو في قلب القضايا ويتابع البيانات وأداء الجهاز التنفيذي، وينظر بعين فاحصة وواعية لمآلات ما بعد الاستفتاء وسيكون له دوره التاريخي والدستوري. { هل نطمئن تماماً الآن والسودان مقبل على تحوُّل كبير في تاريخه بأنه لا يوجد تدجين ولا تأطير للمسيرة البرلمانية؟ - هذا البرلمان أتي بزخم انتخابي معروف ومشهود، وعضوية البرلمان الآ هي عضوية مخضرمة وواعية وجميعهم شخصيات لا يمكن أن تُدجِّن رأيهم أو تجعل صوتهم خافتاً. { كيف تقرأين بعيونك أشواق الإسلاميين (الحركة الإسلامية) في التوحُّد في ظل دولة الشمال الجديدة؟ - أنا عموماً دائماً ما أتحدث عن تجارب وليس حركة أو شكل من أشكال التجمعات كان في فترة من الفترات، فالآن إيقاع العالم وإيقاع الزمان قد تغيَّر، وبالتالي فأي شيء تمَّ بالأمس فإن الزمان تجاوزه، والآن التيّار الإسلامي في العالم ما عاد تضامناً قطرياً، وليس تضامناً في تفاصيل الحركات الإسلامية التي نشأت في فترة الستينات، وبالتالي فما يجري الآن هو تضامن في حقوق الإنسان وفي الاقتصاد الإسلامي وفي الأشياء الكبرى الأساسية التي منها تقارب الشعوب حول مضامين الدين. { هل تتوقعين بروزاً لليسار في المرحلة القادمة؟ - بشكله القديم قطعاً لا، مثلما لا أتوقع أيضاً أن يكون التيّار الإسلامي بذات الآليات القديمة، فالحركة اليسارية مبنية على الالتقاء في قيم اجتماعية معينة وهذه غير موجودة الآن؛ فاقتصاديات السوق قد تغيَّرت. { هل يمكننا القول إذن إن تداعيات الاستفتاء والانفصال - إن تمَّ - لا تعني بأي حال من الأحوال انهيار المشروع الإسلامي والنظرية هنا ولا الجهد الذي قدمته تجربة حكم الإسلاميين؟ - نعم، لا يعني انهياراً بل بالعكس أنا أعتقد أنه يعني الوضوح لمسار تاريخ العمل السياسي في السودان، فكثير من الأحزاب لم تستطع أن تقف خوفاً من الأثر السياسي عليها ولكن ليس خوفاً على الدولة، هذا الحوار لو كان قد بدأ منذ فترة الخمسينات أو الثمانينات لكان وضع الدولة الآن مختلفاً، فالحوار والرأي كان مطلوباً في قضية راتبة ومترحلة في عروق التاريخ، والآن تمَّت مواجهة هذه القضية وتمَّت الإجابة على هذا السؤال. { ساعة الإسلاميين قد اقتربت من نهاياتها في الحكم؟ - واهمٌ من يظن ذلك وأنا أعتقد أن الحالة السودانية الآن هي لحظة ميلاد مرحلة سياسية جديدة ومستقبل جديد للدولة أو الدولتين، ولكن ليس نهاية دورة دموية لتجربة حكم الإسلاميين، فهذا المولود لم يتشكّل في عهد الإنقاذ بل هو مولود موجود منذ فترة الخمسينات. { ماذا عن خفض الإنفاق الحكومي، هل أنتم ماضون على قدم وساق في هذه الخطوة؟ - خفض الإنفاق هي من الدعوات التي ذكرها الرئيس وهذه الدعوة هي رسالة لتحمُّل المسؤولية. { من ضمن المطلوبات الحزبية هل تأملون أن يتعاون حزبا المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي على البر والتقوى والتآخي في أقل الدرجات خاصةً وأنكم أصحاب رسالة واحدة في الجنوب؟ - حقيقةً أنا أعتقد أن المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي وحزب الأمة جميعهم أصحاب رسالة واحدة ومتشابهة، وبالتالي أتمنى أن يظل التواصل الاجتماعي. وأنا على يقين أن القرار الاجتماعي في الشمال والجنوب لن يكون انفصالاً بخلاف القرار السياسي الذي واضح أنه انفصال، بمعنى أن التواصل سيستمر، فالوحدة والانفصال كانت في يد الجنوبيين ولكن قيادة الجنوب انحازت إلى الانفصال وكل الدلائل تقول إنهم الآن في طور الإخراج استعداداً لدولة الجنوب، ولكن أمنيتي أن يكون الاتجاه الحقيقي لبناء هذه الدولة الإيفاء للمواطن الجنوبي بمطلوباته، وأنا أدعو إلى أن تكون العلاقة بين الدولتين - إذا ما تم َّالانفصال - علاقة طيبة وذلك من خلال تقوية العلاقات وحماية المصالح المشتركة وأن يكون التواصل قوياً ويتم إبعاد الشحنات السياسية بقدر الإمكان. { هل يمكن أن يتحمَّل أخطاء نيفاشا - إن كانت هناك أخطاء - شخصٌ واحد؟ - قطعاً لا، بل ولا يتحمَّل ذلك حزب واحد، ونيفاشا لم تكن أخطاء لأن حوارها كان مفتوحاً، وإذا كان جوهر الحديث عن تقرير المصير فلقد شاركت في ذلك كل الأحزاب.