عماد الدين عبد القادر الشريف ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء ذلك النور مولده (صلى الله عليه وسلم) نور على نور أضاء الكون بالنور الذي خرج معه، فالاحتفال أمر واجب يتحتم على كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة، إذ أن شكره (صلى الله عليه وسلم) لا يتعين في شهر ربيع وحده، بل يتعين في كل لحظة ونَفَس ولمحة، إذ ما من نعمة أنعم الله علينا بها في هذه الدنيا والآخرة إلا والنبي (صلى الله عليه وسلم) السبب فيها. (هبط جبريل على الحبيب صلى الله عليه وسلم، قال: يقول الرب يا محمد إن كنت اتخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيباً وما خلقت الخلق)، وإذا كان شكر الوالدين يتعين بقول الله تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فشكره (صلى الله عليه وسلم) يتعين أكثر من ذلك لأن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وإذا كانت النفوس تعظم وتفخم من جاءت على أياديه النعم فما جاء على يد النبي (صلى الله عليه وسلم) الكثير؛ الإيمان والقرآن ودخول الجنان والبعد من النيران. الاحتفال بمولده (صلى الله عليه وسلم) أمر مشروع، بل جاء في الأدلة والنقول، وأثبته العلماء الأجلاء. الاحتفال لا يحتاج إلى إقامة دليل ولا تشريع مشرع، بل القلوب تحنو إلى محبته والأرواح تسمو بذكره، وقد سبقنا الكون بأمر الله احتفاءً واحتفالاً بمقدمه (صلى الله عليه وسلم)، ففي الليلة التي ولد فيها أنّ الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وهي القابلة التي خرج على يديها النبي (صلى الله عليه وسلم) قالت: (لما خرج من بطن أمه خرج معه نور أضاءت منه قصور البصرة والشام)، وجاء عن أم عثمان بن أبي العاص وهي فاطمة الثقفية، قالت: حضرت ميلاد آمنة بمحمد (صلى الله عليه وسلم) فما أرى إلا النجوم تدنو مني حتى ظننت أنها ستقع عليّ، وتنكست الأصنام على رؤوسها، وخمدت نار فارس المعبودة ألف عام لم تخمد في ليل أو نهار إلا في الليلة التي ولد فيها النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفاضت بحيرة طبرية وكانت تجري فيها السفن، وصفت الشياطين عن السمع في السماء»، كل هذا جاء احتفالاً واحتفاء بميلاد الحبيب (صلى الله عليه وسلم). فإذا كان كل هذا الكون فرح وسره ميلاده، فكيف لا نحتفل ولا نظهر السرور؟ فالعجب من ينكر هذا الاحتفال وهو يسمع لكل هذه الإرهاصات التي ذكرها العلماء بالسند الصحيح، فما يفعله المحبون في هذه الأيام المباركات في هذا الشهر المبارك إلا اقتداء بالله سبحانه وتعالى في تزيينه السماء وفي رجمه الشياطين وفي تنكيسه الأصنام فرحاً بميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم)، والأدلة التي نقلها العلماء ورووها في مصنفاتهم وما رواه السيوطي عن العسقلاني عما يفعله ويعتاد في شهر ربيع الأول الاجتماع على ذكر الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وإطعام الطعام؛ له أصل في السنة النبوية، لما جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينةالمنورة وجد اليهود يصومون عاشوراء لنجاة سيدنا موسى وهلاك عدو الله فرعون، فنحن نصومه شكراً لله ونحن أحق وأولى بموسى منهم، فصامه وأمر أصحابه بصيامه، وقال احتسب على الله أن يكفر ذنوب عام، إذن فنحن أفضل نعمة وأكبر يداً وأعظم بما من الله علينا به وهو سيدنا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فاحتفاؤنا به من باب الشكر لله. ذهب الحافظ بن حجر في ما رواه الإمام مسلم في الصحيحين (إن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) سأل النبي عن صوم يوم الاثنين فقال: (ذلك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه). وأيضاً ما رواه الإمام البخاري في باب الرضاعة (أن أبا لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم رؤي من بعد موته والذي رآه سيدنا العباس فسأله عن حاله فقال أنا لم أبق بعدكم خيراً غير أني يخفف عني العذاب يوم الاثنين، وأمص من أصبعي ماء وذلك لاعتاقي ثويبة وأمري إياها أن ترضع النبي. لما جاءت مبشرة له، قال لها اذهبي فأنت حرة فأرضعيه. من فرحه بميلاد ابن أخيه وهو النبي (صلى الله عليه وسلم)، هذا هو فعل الكافر الذي ذمه القرآن بزجه في النار فما حال المسلم الموحد من أمة النبي (صلى الله عليه وسلم)، يسر ويفرح بمولده؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله جنات النعيم كما قال الدمشقي: إذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في كل يوم اثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسرور ومات موحدا