فهمي هويدي في مقالة له بصحيفة الشرق الأوسط العدد (5746) بتاريخ 22/8/1994م؛ كشف عن حقيقة مهمة، أكاد أجزم أنها تغيب عن الكثيرين في هذا البلد، بما في ذلك النخب السياسية في الحكم أو المعارضة في بلادنا، وهي تتصل بالإرهاب وقائمته التي تشمل بلادنا، فكثير من المراقبين يعتقدون أن تهمة رعاية ودعم الإرهاب التي يلصقها الأمريكيون ببلادنا بدأت مع نظام الإنقاذ، وهذا ليس صحيحاً ولا دقيقاً، فمقال المفكر المصري فهمي هويدي الذي أشرنا إليه في مفتتح هذه الزاوية، يكشف الحقيقة الغائبة، لا سيما أن المقال نشر قبل بروز ما يعرف بالقائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب بأكثر من سبع سنوات. يقول فهمي هويدي في مقالته تلك إن البروفيسور الأمريكي لويس كانتوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون والمقرب من دائرة مستشاري الخارجية الأمريكية، قد قال له في أحد لقاءاته به إن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر (1977 – 1981) قال لوزير خارجيته كريستوفر بعد جولة زار فيها الرئيس كارتر برفقة وزير خارجيته عدداً من الدول الأفريقية، من ضمنها السودان، وقد استغرقت الزيارة شهراً كاملاً؛ قال له إنه على قناعة بأن السودان ليست له علاقة بحكاية الإرهاب، وبعد أيام من هذا الحديث أصدرت وزارة الخارجية بياناً - اعتادت إصداره سنوياً - يسمي الدول الراعية والداعمة للإرهاب، ومن بينها السودان، وقد اندهش الرئيس جيمي كارتر من هذه الجزئية من البيان، فاستدعي الوزير كريستوفر وقال له: ألم أقل لك إن السودان ليست له علاقة بالإرهاب؟ فرد عليه الوزير: أعرف سيدي الرئيس، ولكنها مسألة أخرى. هذه الحادثة تؤكد أن تهمة رعاية ودعم الإرهاب لبلادنا من قبل الولاياتالأمريكية لم تكن مرتبطة بالإنقاذ، فهي سابقة لها بأكثر من عشر سنوات، وحاولت أن أجتهد لأجد تفسيراً لذلك غير المصالحة الوطنية التي دفعت بالإسلاميين إلى الحياة السياسية في البلاد، وتقلد عناصر منهم لمناصب في الدولة، وربما لاحظت أجهزة المخابرات الأمريكية بدايات تحول في قناعات الرئيس جعفر محمد نميري، وتقارب مع الإسلاميين، وهذا وحده هو ما يفسر عبارة الوزير كريستوفر (مسألة أخرى). عدت إلى هذه القصاصات من النسخ الصحفية القديمة داخل مكتبتي، والسودان يتلقى وعوداً برفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي وعود لا نعلم صدقيتها، لأنها بصراحة مسألة أخرى مثلما جاءت إجابة كريستوفر للرئيس كارتر، الذي سكت ولم يعقب، ومن المؤكد أنه فهمها، ولذلك أنا شخصياً لا أشغل نفسي كثيراً بهذه الوعود، ولا بقوائمها التي لا معايير محددة ومنصفة تقوم عليها، وبالإضافة إلى أن مصدر القائمة هو نفسه يمارس إرهاب الدولة ويقتل المدنيين بأرقام فلكية ويدمر الدول ويفعل كل شيء ولا يشاركه وينافسه في ذلك إلا شريك واحد هو إسرائيل. أول ظهور لكلمة (Terrorism) كان في العام 1795م، وهي كلمة فرنسية مشتقة من الكلمة اللاتينية، تعني التخويف. وأول من ألصقت بهم هم جناح من الثورة الفرنسية يطلق عليهم (Jacobin Club) كانوا قد انحرفوا نحو اليسار، وفي بدايات القرن العشرين تستخدم لوصف الأشخاص الذين لا يلتزمون بقوانين الحرب، وفي الأربعينيات من ذات القرن استخدمها الانتداب البريطاني في وجه الثوار المدنيين الفلسطينيين، وفي نهايات السبعينيات بدأت مرحلة انتشارها الواسع، وفي هذا الميقات ألصقت تهمة الإرهاب بالسودان عبر بيان سنوي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما أشرنا إليه في فقرة سابقة من هذه المقالة.