{ تناولنا الجمعة الفائتة أمر الثورة التونسية.. وتحدثنا عن البوعزيزي حديثاً واضحاً لا لبس فيه.. لكن ربما أعمت العاطفة بصيرة البعض الذين دافعوا عن (شهيد الثورة التونسية وعرَّابها) كما أسماه بعض المتعاطفين.. { وللتوضيح أكثر أكرر بعض ما ورد في صدر الزاوية مثار النقاش: (بلغ الشعب التونسي ذروة معاناته.. وأوج انفعالاته.. وكان في حاجة إلى شرارة تشعل فتيل انفعاله.. لينفجر.. وقد كان.. عندما أحرق (محمد البوعزيزي) نفسه.. منتحراً.. وتلقَّف الملايين الموقف.. ووجدوا في احتراقه ما يبتغون.. لكن: هل نعتبر البوعزيزي مفجِّر ثورة تونس؟! الإجابة: لا!! وهل ما فعله صحيح ويمثل مصدراً للفخر له ولأسرته؟!). { وذكرنا في الزاوية الآيات التي تحرم قتل النفس.. وحديث السبع الموبقات، الذي رواه البخاري ومسلم، وهو ليس حديثا ضعيفاً أو غريباً، نعيده للتذكير: (قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (اجتنبوا السَّبْعَ المُوبقات). قالوا: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: (الشِّرْكُ بالله والسِّحْرُ وقتلُ النفسِ التي حَرَّمَ الله إلا بالحَقِّ وأكلُ الرِّبا وأكلُ مال اليتيم والتولِّي يومَ الزَّحْفِ وقَذْفُ المؤمناتِ الْمُحْصَنَاتِ الغافلات). { مما سبق نؤكد - للإخوة المتعاطفين - أن انتحار البوعزيزي كان الشرارة التي فجرت الثورة.. نعم.. لكن هل يخرجه ذلك من ذنب الانتحار؟ { البوعزيزي مات (منتحراً).. وليس المقصود من تناولنا الحادثة (البوعزيزي) نفسه.. فقد قضى.. لكن المقصود انتقاد فعله الذي اعتبره الشباب مثلاً لهم.. فحديثنا تذكرة للشباب الذين رأى كثير منهم أن الانتحار وسيلة للتعبير.. حتى لا يخرج علينا شاب آخر (مفجِّراً) نفسه هذه المرة.. تعبيراً عن سخطه أو عجزه ويأسه.. ونفتح باباً للشر بالتواطؤ (تشجيعاً) مع من يقتلون أنفسهم.. وحينها ننتبه لخطأ تعاطفنا الأعمى بعد (الفاس تقع في الراس).. { ما قلته لا ينطبق عليه (أذكروا محاسن موتاكم).. فإنَّما قصدنا الشباب المتأثرين.. وما كان بالإمكان تذكيرهم بدون ذكر الحادثة الأساسية.. غفر الله للبوعزيزي.. ولشبابنا المتعاطف معه.. ولنا جميعاً. { من الردود المتعاطفة التي طرقت بريدي الالكتروني، رسالة القارئ (برلوم) - كما ورد في عنوانه - أنشرها وأنشر الرد منفصلاًً عليها، لأن كاتبها مثال صادق للتعاطف الأعمى الواضح في مفرداته التي تقول: (اسمع يا أخ وائل إذا كان البوعزيزي قد قتل نفسه فقد أحيا نفوس الأمة العربية التي كانت تعيش في اليأس والقمع (لا تقنطوا من رحمة الله) أما بالنسبة لحكمك عليه فإن الله أعلم بمصيره وليس أنت أو أنا، وإذا كنت تعلم مصير كل الموتى فهذا شأن اخر). انتهى { أخي الكريم.. أرد عليك أولاً بنفس الآية التي أوردتها: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ).. ألا تشمل البوعزيزي.. ألم يخالف أمر الله عندما قنط من رحمته وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق؟!! ثانياً: الثورة مشروعة على كل الأنظمة الفاسدة.. لكن بالوسائل الشرعيَّة.. وليس منها قتل النفس؟! لا يمكنك أن تقصد الخير بفعل المحرّم. ثالثاً: أنا أوضحت حكم المنتحر بما حكم به الله ورسوله.. والآية واضحة.. وحديث (السبع الموبقات) واضح.. ولم يورد لنا الرسول استثناء بأن من قتل نفسه في (كذا) لا يعتبر منتحراً.. حتى لا يفتح الباب للناس للتأويل. وأنا لم أقل إن البوعزيزي في النار.. فهو في ذمة الله.. إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. رابعاً: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو.. وما عند الله أبقى.. فللنظر إلى آخرتنا وننظر إلى الدنيا على أنها مكان للاختبار، فإما حسنات تغلب سيئات.. وإما سيئات تغلب حسنات..