أثار موضوع إيداع وزير العدل؛ محمد بشارة دوسة، أمس منضدة البرلمان الطبعة المراجعة من دستور جمهورية السودان الانتقالي 2005م عقب إسقاط الفصول الفقرات المتعلقة بمؤسسات جنوب السودان التي، بحسب دوسة، يتم فيها تقليص المواد من (226) إلى (168) مادة، أثار ردود فعل متباينة. ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الهيئة التشريعية؛ أحمد إبراهيم الطاهر، شفاهةً، إسقاط عضوية الجنوبيين، وقال إن الدورة المقبلة في أبريل لن يشارك فيها نواب الحركة، عدا مقاعد جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأكد أن البرلمان في شروعه لإعداد القائمة المنطبق عليها إسقاط عضوية أعضاء الحركة اعتمد على المادة (118) من الدستور الانتقالي التي تنص على خلو مقاعد الجنوبيين حال الانفصال؛ طالب القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق ببقاء الدستور الانتقالي كما هو دون تعديل حتى التاسع من يوليو المقبل، وهدد حال إسقاط حقوق الجنوبيين المكفولة بالدستور قبل انتهاء الفترة الانتقالية، بإسقاط التزامات الجنوب ممثلة في دفع (50%) من إيرادات بتروله للشمال. ويبدو أن هذه الاختلافات لا تنحصر في دائرة الشريكين أو الأحزاب الأخرى، وإنما هناك اختلاف داخل المؤتمر الوطني حول اتخاذ هكذا خطوة، وقد يكون بين السياسيين القانونيين في الحزب الذين يقدمون السياسة على القانون ومن يرون ضرورة إسقاط كافة البنود والفقرات المتعلقة بالجنوب الآن حتى لا يشارك النواب الجنوبيون في دورة أبريل القادمة، طالما أصبحوا ينتمون إلى جمهورية جنوب السودان، وبين القانونيين السياسيين الذين يصرون على التمسك بنصوص القانون، أو هكذا فهم الناس، ذلك حينما اعترض النائب البرلماني؛ محمد الحسن الأمين، عبر نقطة نظام على إيداع وزير العدل للدستور المراجع، وقال إن البرلمان عند إجازته لقانون الاستفتاء حدد في المواد (67) الفقرة (2) والمادة (69) عملية استمرار مؤسسات الدولة بما فيها المجلس الوطني بشكله الحالي حتى نهاية الفترة الانتقالية في 9 يوليو المقبل، وطالب بإرجاء النظر في أمر المراجعة الدستورية لما بعد الفترة الانتقالية، وأكد أن النسخة الجديدة لا يمكن أن تسري الآن. وتطابقت وجهة نظره مع القيادي بالمؤتمر الوطني؛ الزبير أحمد الحسن، الذي استبعد بدوره مناقشة التنقيحات الدستورية التي أودعها وزير العدل أمام البرلمان في الوقت الحالي، وقال لإحدى الصحف إن البرلمان لن يصوِّت على تلك التنقيحات أو يناقشها قبل نهاية الفترة الانتقالية. هذا الأمر دعا الناس الى السؤال ماذا أراد المؤتمر الوطني من هذه الخطوة؟ وهل يريد المضي قدماً في إسقاط هذه البنود الخاصة بالجنوبيين قبل انتهاء الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم أم أنها تأتي في سياق سياسي؟ وكيف ينظر القانونيون إلى ما قام به وزير العدل وأعلنه رئيس الهيئة التشريعية البرلمانية؟ القانونيون من جانبهم اتفقوا على عدم وجود مبرر قانوني الآن يعضد خطوة إسقاط هذه البنود المتعلقة بالجنوب، أو كما أفادنا الخبير في مجال القانون الدستوري؛ البروفيسور يس عمر، عندما قال ليس هناك مبرر لهذه الخطوة؛ لأن الدستور الانتقالي حسب المادة (226) الفقرة (10) ربط سحب المواد والفقرات والجداول المتعلقة بجنوب السودان حال الانفصال بانتهاء الفترة الانتقالية المقررة بتاريخ 9 يوليو 2011م ولم يقل تُسحب فور إعلان الانفصال حتى لا يكون هناك فراغ يسبب إشكالاً، وقانون الاستفتاء أشار كذلك في المادة (70) فقرة (10) إلى الموضوعات التي سيتم معالجتها مثل الأراضي والخدمة المدنية والبترول، وإذا أسقطنا هذه المواد المرتبطة بالجنوب يجب كذلك أن تذهب حصة البترول كاملة للجنوب، واعتبر ما طُرح في البرلمان أمس الأول لا يخرج من كونه تفسيراً سياسياً لا علاقة له بالقانون؛ فنحن كقانونيين نفسر هذه القضايا وفقاً للمعطيات المرتبطة بالبنود، ولفت النظر إلى أن بعض السياسيين ذوي الانتماءات السياسية عندما يفسرون الدستور يخطئون بسبب سيطرة العقلية السياسية على أذهانهم. فيما نوّه الخبير المختص في الشؤون القانونية؛ علي السيد، إلى أن المادة (226) الفقرة (9) نصّت على أن هذا الدستور يحكم الفترة الانتقالية ويكون خاضعاً لأي تعديل أو مراجعة وفقاً للمادة (224) ويظل سارياً إلى حين اعتماد دستور دائم، والمادة (224) تتحدث عن كيفية التعديل وهذا النص يعني أن الدستور يحكم الفترة الانتقالية المحددة بتاريخ 9 يوليو 2011م كذلك قانون الاستفتاء في المادة (67) قال إذا كانت النتيجة انفصال الجنوب سيظل السودان موحّداً حتى نهاية الفترة الانتقالية وهذا يعني أن أي حديث عن نهاية الدستور الآن ليس صحيحاً، وسيظل سارياً حتى قيام دستور دائم وكل مؤسسات الجنوب وبرتوكولات نيفاشا ستظل قائمة حتى 9/7/2011م. وهذا الأمر يتعلق بقسمة الثروة والسلطة، لذلك تحدث أهل الجنوب عند عدم التزامهم بالثروة (البترول) حال عدم الالتزام ببقاء مؤسسات الجنوب حتى نهاية الفترة الانتقالية. ورأى السيد أن من الأفضل لأهل السودان الالتزام بالاتفاقية نصّاً وروحاً، لا سيما أن الفترة المتبقية لا تتعدى بضعة أشهر وبعدها سيترك الجنوب مقاعد البرلمان، أما السلطة التنفيذية فهي ملك للمؤتمر الوطني يستطيع بموجبها استبعاد الجنوبيين اليوم قبل الغد، لكن بقية المؤسسات الأخرى ينبغي أن تبقى حتى تنتهي المدة المقررة، وأوضح أن ما تمّ الآن هو انفصال إجرائي، لكن حتى الآن لم يتم إعلان حكومة في جنوب السودان ليعترف بها المجتمع الدولي وكل هذا مربوط بانتهاء الفترة الانتقالية. وفي الإطار ذاته حثَّ علي السيد المؤتمر الوطني على تعديل الدستور تعديلاً يسمح للقوى السياسية الاشتراك في مؤسسة يمكن تسميتها جمعية تأسيسية أو وطنية، تُجرى انتخابات في فترة لا تتجاوز العامين حتى تتمكن الأحزاب جميعها من إجازة الدستور الدائم، أما الدستور الحالي فيجب مراجعته لاستبعاد كل النصوص المتعلقة بالجنوب وتعديل البنود التي تُمكن من إجراء انتخابات مبكرة، وحذر المؤتمر الوطني من التفكير في وضع دستور دائم في ظل البرلمان الحالي وقال إذا وضعه في هذه الظروف فلن يكون دائماً ولن يجد احتراماً من الشعب السوداني؛ لأن الدستور الدائم يضعه البرلمان الجديد بعد تعديل قانون الانتخابات حتى يتحقق التمثيل النسبي المقصود ممثلاً في ضم البرلمان لكل القوى السياسية. أما البروفيسور يس عمر، فقد دعا إلى مراجعة الدستور عقب الفترة الانتقالية، وقال إن مفوضية الدستور كانت مسؤولة عن التعديلات التي تعرض على المجلس الوطني ومجلس الولايات لمراجعتها والمفوضية، كما هو معروف، كُونت بموجب الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. أما الآن فلا بُد من جلوس كل القوى السياسية لمراجعة الدستور لأنه لا يتم تعديله من طرف واحد. وعلى أية حال يبدو أن موضوع مراجعة وتعديل الدستور سيشغل الساحة السياسية حتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية طالما أن هناك اختلافات حول الإضافات وجدل حول ضرورة إجراء انتخابات لإجازة الدستور الدائم قبل انتهاء فترة الخمس سنوات التي يتمسك بها المؤتمر الوطني، فهل يقنع القانون السياسة؟