على إثر قرار مجلس الأمن رقم (1973)، القاضى بفرض حظر جوي على ليبيا، انطلقت فى التاسع عشر من مارس 2011م أولى الطلعات الجوية للطائرات الغربية وهى تستهدف عدداً من المواقع بالجماهيرية وقد أطلق على هذه العملية (فجر أوديسة)، ولهذا الاسم دلالات عميقة، وربما خطيرة، وهى بالتأكيد تؤسس لمفاهيم جديدة وتبادر بصراع ثقافى وحضارى من خلال ما تبادر به من فعل على الأرض، ولن يكون بعد اليوم هناك شيء بالمجان وبالذات العائد الأدبى الذى لم تكن هذه الدول تعيره اهتماماً فى غزواتها السابقة فى منطقتنا العربية والشرق بشكل عام، وقد أطلقت عليها أسماء مجردة لا صلة لها بتاريخها وثقافتها مثل عاصفة الصحراء. ولتكون هذه الافتراضات جلية لا بد أن نتطرق لماهية (الأوديسة) ومن ثم نزحف فى اتجاه دلالاتها حتى تعانق افتراضاتنا وعندها يبدو الصراع الثقافى والحضارى حاضراً وواضحاً وجلياً. الأوديسة ملحمة شعرية ألفها (هوميروس) فى القرن الثامن قبل الميلاد وتتكون من (24) جزءاً وتضم (12200) بيت شعري، وتبدأ قصة ملحمة الأوديسة بعد نهاية ملحمة الإلياذة وعودة أحد أبطالها وهوملك (إيتاكا) ويدعى (أوليس) وهو صاحب فكرة (حصان طروادة) وقد هزم فى الأناضول وفى رحلة عودته إلى وطنه وبسبب غضب إله البحر (بوصيدون) كما يعتقد النص الملحمي يتيه عشر سنوات ويواجه فيها الكثير من المخاطر، وطيلة هذه الفترة ترفض زوجته (بينلوب) الزواج بالرغم من الإغراءات والاضطهاد التى تعرضت لها من وزرائه والنخب الحاكمة إلى أن قدم زوجها الملك متنكراً فى هيئة شحاذ ورأى بعينه ما تتعرض له زوجته فانتقم بقتل جميع من تعرض لزوجته. الملحمة الشعرية تصف رحلة الملك على لسان زوجته، وفى الملحمة يمر الملك ببلاد تعرف بأكلة نبات البردى وهو زهرة اللوتس ويطلق عليها فى تلك الفترة (شحات وقورينا) وهى ليبيا الحالية، وكذلك يمر ببلاد تعرف بالساحرة تسيرس وهى إيطاليا إلى أن تنتهى رحلة الملك (أوليس) بوطنه فى (إيتاكا). شاعر ملحمة الأوديسة (هوميروس) هو أعمى وقد كان لملحمتيه (الإلياذة) و(الأوديسة) تأثيرهما الكبير على مجمل الآداب الأوروبية وقد نسج على منوالهما الشاعر الإيطالى (دانتى) واليونانى (فيرجيل) والإنجليزى (جون ميلتون) ملاحمهم. يقول النقاد الأدبيون وقتها إن دور الآلهة فى ملحمة (الإلياذة) كان التنفيذ لمشيئتها العادلة أو الظالمة أو الرحيمة أو القاسية، دون أي اعتبار آخر. أما دورها فى ملحمة (الأوديسة) فقد كان يتجه نحو أخلاقية جديدة، شديدة الارتباط بالشعور الدينى، بمعنى أن الآلهة لا تنزل عقابها إلا على المخطىء الذى يجب أن يتحمل مسؤولية خطئه ويظهر بطل ملحمة الإلياذة (أخيليوس) متبجحاً بحيويته وقوته فى حين يظهر بطل ملحمة الأوديسة (أوليس) فى شخصية اجتماعية وإنسانية، فبطولته لا تنبع من خشونته وقوته، بل من ذكائه وشعوره بالمسؤولية وفطنته وإنصافه وعدله. يرى النقاد فى بطل ملحمة الأوديسة نموذجاً للرجل الجديد المغاير للرجل القديم ورمزاً للحاكم المثالي الذى يلائم متطلبات المرحلة وطبيعتها. يبدو أن الغرب يؤسس لمفاهيم جديدة وقيم فاتت على أسلافهم وهم يمارسون ذات الأدوار ويقودون ذات الحملات فى مختلف أركان العالم ويحاولون من خلال هذه التدخلات والحروب التى يدخلونها تجميل أفعالهم وإظهارها بمظهر المنقذ والعادل الذى يضطلع بمسؤولياته، ولهذا فليس بالمستغرب أن يطلق على العلمية (فجر الأوديسة) وقد ارتبطت ليبيا بالملحمة فى القرن الثامن قبل الميلاد وتتنزل ذات القيم على واقع النظام الليبيى من وجهة نظرهم ويريد استمرار علاقة غير شرعية بشعبه ويتوقع الغرب أربعين يوماً للقضاء على نظام القذافى وهى ذات المدة التى تمكن فيها الملك (أوليس) من القضاء على خطّاب زوجته. هذه هى حكاية (فجر الأوديسة) التى تهدف فى إطار الصراع الحضارى إلى إيجاد معادلة ما تخفف الضغط على الغربيين، وبالذات الطليان وكل الدول الاستعمارية بسبب تاريخهم الاستعمارى ويبدو ذلك واضحاً فى ليبيا عمر المختار وقد نزل العقيد القذافى إلى إيطاليا وعلى صدره صورة عمر المختار وبصحبه نجله وهو يذلّ إيطاليا، ولذلك فإن فجر الأوديسة ربما يصنع الفرق ويتعادل الفريقان فى صراعهما الحضارى.