ليل الخرطوم ونهارها لا يتفقان أبداً، بل ليل السودان ونهاره بينهما برزخ واسع ملئ بالمتناقضات، ليلاً أعاد وزير الثقافة الاتحادي السموأل خلف الله القريش الخرطوم وعواصم الولايات إلى ضفاف الألق والبريق عبر الأماسي التي وصلت حتى مدينة الجنينة آخر نقطة على حدودنا الغربية، وعمّ الحراك الثقافي العاصمة المثلثة عبر أماسي الخرطوم، أم درمان وفي التاسع من أبريل أماسي بحري، وبعدها مهرجان الخرطوم الدولي للموسيقى ثم أماسي الخرطوم المسرحية وليالي المديح النبوي وفعاليات تشكيلية مستمرة كل سبت على شارع النيل وحراك بالمحليات حتى سمت «روح» المواطن السوداني بما نالت من جيد الشعر وعذب اللحن وشدو المطربين والمطربات، والتقى جيل الرواد بالشباب وعمت «التكريمات» للرموز وغيرهم، وطُبِعت الدواوين وتمت زيارة مرضى المبدعين وتقديم الدعم لهم حتى أن دولة شقيقة أعجبها ما يجري في السودان ثقافياً حتى شرعت في تطبيقه بالحرف مع فارق القدرات والمقدرات. أما نهار السودان والخرطوم معاً فإنه كابوس لا نهاية له يصر على تطبيق المثل «كلام الليل يمحوه النهار»! فهناك تجار جشعون لا تعجبهم الوفرة ولا (هداوة) الأسعار يرفعون اليوم سعر السكر فتُعالج الدولة الأمر فيذهبون إلى الغاز ثم الخضروات والفواكه واللحوم والزيوت والصابون حتى (الكِسْرة) رفعت بائعاتها أسعارها في إشاعة قوية بارتفاع كبير في أسعار الذرة بينما أهل الشأن أكدوا أن هذا العام شهد أكبر احتياطي من الذرة وتم تصويره بالقضارف وكردفان زيادة على قمح الولاية الشمالية الذي فاق التوقُّعات. أما (حوانيت الأحياء) فأمرها محيِّر يكاد العاملون عليها يزيدون قرشاً كل يوم حتى أصبح «موس الحلاقة» بقرشين عوضاً عن قرش واحد و«الكبريتة» أصبحت بقرشين أيضاً وعلى هذا قِس. فيما ظل عدد من الجزارين يصرون على بيع كيلو الضأن ب24 جنيهاً والبقر ب16 بينما أسعار الخراف نزلت حتى 275 جنيهاً للخروف زنة (15 -17) كيلو كاملاً بينما هذا المبلغ يأتي لك من الجزار ب11.5 كيلوجرام فقط دون رأس أو مرارة أو كبدة. ونقول شكراً للوزير السموأل فقد غذّيت الروح ولكن البعض يحاولون إفشال مشروعك، والاتهام موجَّه لكل الوزارات ذات الصلة (بقفة الملاح) ولكل الولاة والمعتمدين الذين يرون الأمر ولا يلتفتون وما دروا أن ملء البطن والإحساس بالسكينة والأمان هما حافز العبودية لله تعالى في قوله «فليعبدوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف». إذن.. البطون الخاوية لا تسمع، والمهموم بقوت عياله لا يُغني ولا يُدرك الطرب والمقطوعة (كهربته) أو (مياهه) أو (غازه) أشبه بالمجنون والعاجز عن دفع فاتورة العلاج لصغيره الذي يُعاني آلام المرض لا تهزه موسيقى الفاتح حسين. هذا الشعب عظيم ويكفيه تأمين قوته فلتضرب الدولة جشع التجار أينما كانوا بيد من حديد.