لقد أصبح الكثيرون يبحثون عن الجمال، رجالاً ونساء، بل إنه أصبح الشغل الشاغل لهم، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للمرأة في أن تبحث عن الجمال، فهي دائماً ما تفضل أن تكون الأجمل والأكثر أنوثة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن بعض الرجال أيضاً أصبحوا يبحثون عن الجمال، فهناك من يرى أن جمال الرجل يكمن في أناقته وكامل هندامه، ولكن هناك بعض أو فئة قليلة من الرجال الذين يبحثون عن الجمال باستخدام كريمات التفتيح وكريمات الليل والنهار للمحافظة على بشرتهم، بل إن بعضهم، وهؤلاء قلة، يقومون بوضع مساحيق المكياج مثل «البودرة والزبدة» على وجوههم وهم يرون أنه أمر عادي لا ينقص من رجولتهم. وتجمّل الرجل في نظرهم يأتي تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال»، فلقد أصبحت «صالونات» الحلاقة ليست لقص الشعر والذقن فقط، بل للعناية بالبشرة وعمل «الساونا والصنفرة والحمام المغربي» والاشتراك الأسبوعي وأصبحت هناك منتجات للعناية بالرجل. ساونا بالصنفرة: «محمد المصري» يعمل في «صالون القصر» ببحري من واقع عمله يؤكد أن الرجال الذين يقبلون على صالونه هم من مختلف الأعمار، فهم شباب وعرسان ورجال متزوجون يأتون إما بغرض الحلاقة أو العناية بالوجه وعمل المساج أو الحمام المغربي والساونا وهناك من يكون لديهم اشتراك ثابت في الحمام المغربي والساونا، والأكثرية يفضلون الساونا بالصنفرة لأنها تخفف الدهون، وهناك أيضاً من يستخدمون (الفتلة)، والأكثرية تفضل الموس. ويؤكد «محمد» أن الرجل أصبح يعتني بجسده ومظهره تماماً وليس في اعتقاده أنه تشبه بالنساء بل هو نظافة فقط. بائعو الكريمات: وفي جولة ميدانية ل«الأهرام اليوم» مع بائعي الكريمات لمعرفة ما إذا كان هناك شباب أو رجال يأتون لشراء الكريمات يقول «عمر الفاروق محمد» إن هناك من يأتون لشراء كريمات الترطيب وهناك من يأتون لشراء كريمات التفتيح وهم في الأغلب من طلبة الجامعات، يأتون إلينا ويسألون عن ما هو أسرع كريم تفتيح، فعندما أسألهم عن ما إذا كانوا (مرسلين) من قبل شقيقاتهم أو زوجاتهم وما هي نوع بشرة من أرسلتهم يقولون لي: (إنت مالك نحن عاوزين كريم وبس). ويواصل «عمر» حديثه قائلاً: إن استعمال كريمات التفتيح للشباب أصبح ظاهرة وهم كثيراً ما يستعملون (الديفا والكارولايت) وهناك أقسم بالله العظيم من يستخدم البودرة، وأنا من واقع عملي كتاجر كريمات أستطيع أن أميز ما بين الشخص الذي يشتري الكريم لنفسه والشخص الذي يكون (مرسّلاً). ويؤكد «محمد عبدالله» على أنه يستطيع تمييز الشاب الذي يستخدم الكريم من الذي لا يستخدمه، حيث إن لكريم التفتيح آثاراً سلبية. ويقول «محمد»: لدي زبائن كثر من الشباب وبيني وبينهم مصارحة ولا يستحون مني، وأكثر كريم يقومون بشرائه هو (ديفا). أما «عمر محسن» فهو يقول إن الذين يأتون لشراء كريمات التفتيح من الشباب هم قليلون جداً، فالإقبال أكثر على كريمات الترطيب والعطور وكريمات الشعر و(الجِل). «هذه حرية شخصية» هكذا يقول «الطاهر مصطفى»، مؤكداً على أن هناك من يأتون لشراء الكريمات ولكنه لا يسألهم ما إذا كانت لهم أم هم مرسلون لها. ما بين رافض ومؤيد: سيف الدين عبدالرحمن طالب بجامعة النيلين، كلية الهندسة قسم الحاسوب، يقول: «إنني أؤيد تجميل الرجل ولكن في حدود المعقول، لكنني أرفض استخدام كريمات التفتيح، ويمكن للرجل أن يحافظ على البشرة عن طريق الساونا والصنفرة وأن يكون له اشتراك أسبوعي في أحد الصالونات». ويؤكد «سيف الدين» أن الشباب الذين يستخدمون كريمات التفتيح في الجامعة هم نسبة قليلة لا تتجاوز ال(2%) ومع ذلك فهم موجودون. ويختلف معه صديقه «قصي أحمد علي ابراهيم» جامعة النيلين حاسوب «خرّيج»، وهو يرفض تماماً عمل الساونا والصنفرة لأنهما في نظره تقللان من رجولة الرجل، ناهيك عن استخدام كريمات التفتيح، ويرى أنه يمكن «للخريج أو العريس» عمل ساونا أو صنفرة ولكنه يرفض أن يخصص لهما اشتراكاً أسبوعياً لأنها تجعل الرجل ناعماً وغير خشن والرسول الكريم أوصانا ب«الخوشنة». ومن ناحيتها تقول «سوسن محيي الدين» هندسة كهرباء جامعة النيلين، إنها ترفض أي رجل يستعمل المكياج أو كريمات التفتيح لأن الرجل من طبعه الخشونة، فإذا لم يكن خشناً فلا داعي له، حتى الساونا فإنها يجب أن تكون في فترة «العرس» فقط لكن في الأيام العادية.. فلا. ويرى «عبدالعزيز ناصر» خريج الجامعة الأهلية أنه لا ضير في أن يعتني الرجل ببشرته ويعمل على المحافظة عليها من أشعة الشمس الحارقة باستخدام كريمات الترطيب والكريمات الواقية، ويقول «ناصر»: أنا لا أرى حرجاً في أن يستخدم الرجل كريم الليل أو كريم النهار، وأنا عن نفسي استخدم ال(Sun Pluk) (صن بلوك) الواقي من أشعة الشمس الذي تستخدمه الفتيات، فهل «أنا رجل ناقص رجولة؟». وتؤكد «لنا محمد سكرتيرة»، أنها تفضل الرجل (النضيف) الذي يعتني بشكله وبشرته ويحافظ عليها دون أن يستعمل كريمات تفتيح حتى لا يدخل في دائرة المحرمات. ويقول «محجوب عمر موظف»: للأسف الشديد هذه الظاهرة أصبحت متزايدة وأصبحنا نراهم يمشون بيننا دون حياء، فهذه على ما يبدو علامات آخر الزمان بعد أن كانت من صفات الرجل وطبعه الخشونة، فأنا ضد الساونا والاشتراك الأسبوعي وأحبذ أن يرطب الرجل بشرته بالفازلين والجرسلين. ويتفق معه زميله «الكاشف عثمان» متسائلاً: «الفازلين مالو عيبوه لي؟»، ويواصل: ولكن يبدو أن هذه علامات (الحنكشة)، فكريمات التفتيح أعارض استعمالها للبنات فكيف يستخدمها رجل من أهم صفاته الخشونة، وأعارض أيضاً ما يرتديه الشباب من قمصان «محزقة» وبناطلين «واقعة» يسمونها (السيستم) وتبريم الشعر بالجِل وارتداء السلاسل والأساور، ولكن يبدو أن هذا آخر الزمان. ويندهش «محمد حسن خريج» قائلاً: لماذا يغضب الجميع من أن يعتني الرجل بمظهره ويهتم بشكله وبشرته، فإن الله جميل يحب الجمال، وليس معنى ذلك أن أي رجل يهتم بشكله هو رجل ناقص، فيمكن للرجل أن يعتني بنفسه دون أن تنقص رجولته، فأنا مع الرجل الذي يهتم بنفسه ولكن دون أن يستخدم كريمات تفتيح أو خلاف ذلك، فهناك كريمات ترطيب وهناك ساونا وصنفرة وخلافه. «تسابيح كمال» كلية الهندسة جامعة النيلين، تقول: لقد «فسخت» خطبتي، لأن خطيبي كان رجلاً «ناعماً»، فأنا أفضل الرجل العادي «الخشن»، وللأسف الشديد المسألة ليست مسألة استعمال كريمات تفتيح أو غير ذلك، فأنا أعتقد أن المظهر العام أصبح غير جميل، ابتداءً من ارتداء الملابس (السيستم) إلى استخدام (الجِل) بطريقة أكثر من اللزوم، فإنني أرى أن بعض (أولاد السودان اتبدلوا) وأصبح هناك (فير) للرجال، والذين يستخدمون الكريمات أراهم دائماً ولكن عددهم ليس كبيراً ولكنهم أصبحوا ظاهرة. أما «محمود الطاهر» موظف، فهو يقول إن هناك حريات شخصية لا يجب لأحد أن يتدخل فيها، فليس هناك ضير من أن يهتم الرجل بمظهره ولا أعتقد أن هناك رجلاً يستعمل كريم تفتيح ولكن إن وجد فتلك حرية شخصية. ويؤكد «عمنا عثمان» انزعاجه مما يشاهده هذه الأيام من بعض الشباب الذين على حد قوله «هم ناعمون» ولا تفرق بينه والفتيات إلا بالملابس، وحتى الملابس أصبحت تشبه ملابس البنات، فالقمصان أصبحت «محزقة» والبناطلين «واقعة»، وأيضاً أصبح الشباب يعمل على تفتيح لونه، وهؤلاء «محسوبون» على معشر الرجال. ويختتم العم عثمان بقوله: «إنني حزين على أمثال هؤلاء». وتقول «سهى محمد» كلية الإعلام: «إنني أحتقر الرجل الذي أشعر بأنه يستعمل كريمات أو يعتني بمظهره أكثر من اللازم، فالرجل من طبعه الخشونة والصرامة، وللأسف انتشرت هذه الظاهرة بين قلة قليلة من الشباب، وشاهدت منهم أمثلة وأرجع ذلك إلى التقليد الأعمى للفضائيات». وأخيراً يقول «حسام محمود» مساعد: «رحم الله عمر بن الخطاب «الفاروق»، الذي كان إذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع. عمر الفاروق كان مضرباً لمثل الرجل الحقيقي، أما ما يغفله معظم أو بعض الشباب في هذه الأيام فهو أمر محزن وما هو إلا تقليد أعمى، فأنا ضد حتى الساونا والصنفرة فهي كلها أشياء لا تتفق مع رجولتنا». { سلوك مستهجن وتقول الأستاذة عالية محمد عوض الكريم، الاختصاصية الاجتماعية، إنه في هذا العصر، عصر التكنولوجيا، أصبح من السهل الاتصال بالمجتمعات عبر وسائل الاتصال السريعة، وهذا قد سهّل عملية التمازج الثقافي والاتصال الثقافي بين المجتمعات، كذلك سهولة التنقل وعمليات الهجرة تتيح فرص الاحتكاك بين المجتمعات المختلفة، ونجد أن الثقافة تتيح للإنسان عملية التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على بيئة الإنسان الاجتماعية وتزيد من قدرته على استخدام ما هو موجود في البيئة، والثقافة ليست أمراً مادياً فقط، بل هي أساليب سلوك وحياة تضم عنصر التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي والدين والمعتقدات، وخلال عملية التمازج الثقافي أو الاحتكاك الثقافي هناك عناصر ثقافية تجد القبول وأخرى تجد الرفض في المجتمع أو تأخذ فترة زمنية حتى تجد القبول بين أفراده، وأعتقد في ما يتعلق بجانب السلوك يكون رد الفعل سريعاً من قبل أفراد المجتمع، ويتضح هذا في ما يتعلق بالموضوع المطروح، وهو «تجمل الرجال» في مجتمعنا، هو بين الرفض والقبول وإذا نظرنا إلى ذلك في وضع المجتمع السوداني فهو مجتمع محافظ من ناحية العادات والتقاليد، وهو مجتمع مسلم تحدد ثقافته زينة المرأة وزينة الرجل، وهناك خطوط لا يمكن تجاوزها، وهنا يأتي السؤال هل هو ظاهرة؟ فالرد أنه لا يرقى إلى مستوى الظاهرة من حيث صفات الظاهرة الاجتماعية، فهو مجرد تيار اجتماعي وأرى أنه تيار ضعيف، والحكم عليه يأتي بناء على أن الممارسين لهذا السلوك قِلة ضعيفة من حيث العدد ولم يجد القبول بل هو سلوك مستهجن. { الطب النفسي وفي سياق متصل، يقول الدكتور «علي بلدو» اختصاصي الطب النفسي، إن الجمال من الناحية النفسية وحب التجمل هو من الغرائز الأساسية لدى الرجل والمرأة على حد سواء، وإن غلب عند الناس أن الجمال وحب التزين وإظهار المحاسن هو شأن أنثوي إلا أن الحقائق العلمية والطبيعية وحتى الدين تشير إلى أنه جانب ذكوري أيضاً، وكما يقول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «إن الله جميل يحب الجمال»، كما أن الوجه الحسن يشيع الارتياح والراحة النفسية لدى الناظرين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الإفراط في التزين من قبل الرجل وأيضاً استعمال أدوات زينة أو مواد تجميلية مثل عطور معينة أو كريمات أو ملابس ذات طبيعة خاصة أو أي أدوات مظهرية أخرى، عرف عنها أنها خاصة بالنساء أو ذات خصوصية نسوية، فإن استعمال مثل هذه الأشياء من قبل الرجل يمثل تعدياً سافراً على أعراف وتقاليد المجتمع ويؤدي إلى نفور الآخرين منه وعدم تقبلهم لهذا المسلك، كما أن للأمر عقوباته القانونية والدينية الأخرى. وفي إطار التحليل النفسي للظاهرة (موضوع الدراسة) نجد أن معظم هؤلاء الأشخاص «الذكور» قد عانوا من الطفولة المضطربة والاحتياج العاطفي والتنشئة الخاطئة وغياب الدعم الأسري والمجتمعي، جنباً إلى جنب مع عدم وجود مناهج للصحة النفسية في المدارس وعدم وجود مراكز للإرشاد النفسي، إذ أن هذا الانحراف السلوكي كان من الممكن اكتشافه لدى الشخص وعلاجه في مراحل مبكرة، إذ كثيراً ما تصحبه أعراض أخرى مثل الاكتئاب والتوتر النفسي واضطرابات تحديد الهوية الجنسية، ونعني بها هنا رغبة الذكر بالشعور بمشاعر الأنثى أو اقتناعه بأنه أنثى تم سجنها في جسد ذكوري، أو شعوره بالصدمة النفسية التي قد تكون نتيجة لاعتداء جنسي في مرحلة عمرية سابقة، وعليه فإن مجمل القول أن التزين للرجل، في الحدود المعروفة التي لا تتنافى مع المورورث النفسي للمجتمع، لا غبار عليه من الناحية النفسية، وأما ما زاد على ذلك، حسب ما تقدم «آنفاً»، فإنه يستدعي التدخل حماية للفرد نفسه وللمجتمع ككل. { رأي الدين ويؤكد الداعية الإسلامي المعروف «عبدالجليل النذير الكاروري» بأن كل تجمل يأخذنا إلى الحلال هو مباح ولا ضير فيه، ما عدا تغيير الخلقة أو اللون، فهو حرام شرعاً إلا في حالة من كان له أثر من جراء حادث تعرض له أو خلاف ذلك، فهذا حلال لا حرمة فيه، أما الذين يضعون ما يسمى ب(الروج) على وجوههم فهؤلاء يدخلون تحت طائلة المتشبهين بالنساء، والعياذ بالله. ويقول الكاروري: بالنسبة لوضع البودرة على وجوه العاملين في الحقل الإعلامي «المذيعين والضيوف»، فإذا كان من أجل الوقاية من الأشعة الضارة فلا حرمة فيه، ولأن رفع الضرر مقدم على جلب المصلحة.