تشوُّهات الأجنة .. تظل هاجساً كبيراً يؤرِّق كل حامل في فترة حملها، فهي لم تعد حالة نادرة ترسم علامات الدهشة على وجوهنا كما السابق، بل أصبح الأمل عادياً فبتنا نطالع بين الحين والآخر في صحفنا هذه الحالات فمنها ما هو ظاهرياً مثل (شفة الأرنب، شق الحنك الولادي، انعدام الأذن أو صغرها) ومنها ما هو داخلياً مثل (ثقب القلب وجود ماء في الدماغ، عدم وجود الحجاب الحاجز) إلى غيرها من تلك التشوُّهات (حمانا الله وإياكم). المعتقد السائد عند الناس كان ومازال في بعض الأذهان أن (تشوُّه الجنين) يأتي أولاً وأخيراً (لزواج الأقارب) والذي هو بالتأكيد أحد أهم الأسباب ولكنه ليس السبب الأوحد. فبعد أن ازدادت معدلات (التشوُّه) أصبحت هناك الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة وهي أولاً ما هي أسباب ومسببات التشوُّه؟ وماهي كيفية تفاديه؟ وما دور كريمات التفتيح والصبغة فيه؟ وكيف إذا تبين تشوُّه الجنين داخل رحم أمه فهل يجوز إجهاضه؟ { فرحة ما تمت تقول (هناء) سيدة في أواخر العشرينات من عمرها حين التقيتها بإحدى العيادات ببحري الفرحة كانت لا تسعني حين عرفت بأنني حامل فهي المرة الأولى التي (أحمل) فيها وكان حملي طبيعاً والأمور تسير على ما يرام حتى فاجأني الطبيب وأنا في الشهر السادس بأن الجنين الذي أحمله في أحشائي مشوَّهاً و(دماغه) خارج الرأس ولابد من (إسقاطه) أو بالأصح إجراء عملية ولادة لأن الحمل كان في الشهر السادس فهو -على حد قول الطبيب- (ميت ميت) وأجريت لي العملية والحمد لله فقد حزنت كثيراً ولكنني أيضاً فرحت لأنه سوف كان سيأتيني مشوّهاً وأنا الآن هنا أتابع حملي الثاني ولكن أصبح لديَّ هاجس كبير أشبه بالوسواس من أن تتكرر حالة التشوُّه هذه .. وكل الأمور بيد الله. { معاناة أما (سهام) فهي تعاني أيما معاناة فقد أنجبت ابنتها الأولى وهي مصابة (بالشفة الأرنبية) وأُجريت لها عمليات جراحية تجميلية ولم تفق من صدمة ابنتها هذه، حتى أنجبت ابنها الثاني (أكرم) لتكتشف في ما بعد بأن لديه ماء في الدماغ تسبّب في ازدياد حجم الرأس. تقول سهام: بدأت منذ ذلك الوقت معاناتي مع العمليات الجراحية فقد أجرينا له ثلاث عمليات جراحية أخذت معها الأخضر واليابس فنحن أسرة على (قدر حالها) وأُجريت العملية الأخيرة وهي تركيب جهاز في (الرأس) يقوم بسحب الماء الزائد حتى لا يزيد حجمه. { ضمور بالمخ تقول (نجوى) سيدة في منتصف الأربعينيات: أنجبت ابنتي الأولى والثانية بصحة جيدة، أما ابني الثالث فلم أعلم بأنه مصاب بضمور في خلايا المخ إلا بعد أن أتم شهره السابع فهو كان لا يستطيع أن يجلس حتى قارب عمره السنة وبعد أن أتم السنة علمت أنه غير طبيعي فهو لا يجلس ولا يحاول أن يمشي وبعد أن راجعت الطبيب أوضح أنه مصاب بضمور في المخ ولا علاج له. { زواج الأقارب من الدرجة الأولى وفي ذات السياق تؤكد الدكتورة (أماني هاشم عبود) اختصاصي طب النساء والتوليد بمستشفى الأمل الوطني أن من مسببات التشوُّه الأمراض المزمنة لدى الأم وعلى سبيل المثال السكري، فمريضة السكري لابد أن يكون منتظماً لديها قبل حدوث حمل على الأقل قبل ثلاثة أشهر وبعد الحمل قد تحتاج لاختصاصي باطنية وتغذية للمتابعة وتنظيم السكر. ثم بعد الأمراض المزمنة (زواج الأقارب) من الدرجة الأولى لأنه يزيد من فرصة انتقال الجينات وظهورها في النسل، كما يلعب تناول العقاقير الطبية دون استشارة الطبيب دوراً مهماً في التشوُّه. وعلى الأم ألا تتناول العقاقير إلا عند الضرورة القصوى وكذلك العلاجات الكيمائية التي يتناولها مرضى السرطان والذين يتعرضون للاشعاع مثل أخذ صورة أشعة في الشهور الأولى وعدم توافق الجينات بين الحيوان المنوي والبويضة يسبب تشوُّهاً عالياً لدرجة أن الحمل لا يستمر ويحدث إجهاض والاجهاضات بنسبة 70 إلى 80% تسببها التشوُّهات، هذه كلها تعتبر أسباب مهمة لحدوث التشوُّه. { التدخين السلبي وتواصل دكتورة أماني حديثها قائلة: إن التدخين السلبي وتدخين الأم له كبير الأثر على المشيمة وعلى نمو الجنين، كما أن استخدام مستحضرات التجميل (وكريمات التفتيح) التي تُستخدم من قِبل بعض الأمهات تؤثر على الطفل وقد تُصيب الكُلى لأنها مواد تحتوي على (الكيرتزون) ولذلك أنصح كل (حامل) بتناول الأغذية الطبيعية والابتعاد عن المعلبة والتي تحتوي على مواد حافظة وتفادي الاشعاعات والأدوية والتدخين. وتختم دكتورة أماني حديثها بأن هناك بعض أسباب التشوُّه غير معروفة فهي من عند الله ولابد من إجراء الفحص الدوري والموجات وإذا كان التشوُّه لا يؤثر على حياة الطفل ويحتاج في ما بعد إلى عملية أو علاج فلماذا تحاول الأم إنزاله فهو أمر حرام وفي الأصل إذا كان الطفل مشوهاً بدرجة عالية فهو عندما يخرج سوف يموت ولماذا إسقاطه فهو أن خرج لن يعيش؟. { صفة وراثية سائدة ويقول دكتور وهيب إبراهيم هارون استشاري طب الجنين والحمل الحرج إنه ومما لا شك فيه أن العوامل الوراثية تلعب دوراً كبيراً في التشوُّهات التي تصيب الجنين، فإما أن تكون ناتجه عن خطأ في تكوين الجينات (المورّثة) التي تتحكم في نمو الأجزاء المختلفة، ومن العوامل الوراثية بالذات نجد في بعض العائلات أن هناك أمراضاً وراثية تنتقل من جيل إلى آخر خصوصاً إذا كان هناك زواج قرابة من الدرجة الأولى، فإذا كانت هذه الأمراض المنتقلة بين الزوجين أمراض ذات صفة وراثية سائدة فإن الأبناء يصابون بها وأما إذا كانت أمراضاً ذات صفة وراثية منتحية فإنها تصيب بعض الأبناء وينجو منها البعض الآخر. وإذا كان هناك خلل في الكروموسومات فإن نسبة الإجهاض تكون 60%.. وتعتبر العوامل المحيطة بالجنين من خلال نموه في الأشهر ال9 هي أيضاً من مسببات التشوُّه. فالحياة اتجهت من البادية إلى المدينة المعقدة فنجد عوامل كثيرة منها التلوث البيئي الذي يتمثل في إفرازات سامة من عوادم المركبات التي لا يتم فيها احتراق كامل وبالتالي تكون عاملاً أساسياً في تلوُّث الهواء المُستنشق. وكذلك التغذية فإننا نجد أن هناك الكثير من المواد الحافظة في الأغذية المتناولة مثل بروميد البوتاسيوم وملح أول بلثومات الصوديوم والمواد الحافظة الأخرى التي تدخل بشكل يومي في الغذاء وكذلك الأغذية المعدلة وراثياً التي يمكن أن يدخل تركيبها ويختلط مع الجينات المكوِّنة لنمو الجنين. { سوء الأغذية وتخصيب اليورانيوم ويواصل دكتور (وهيب) حديثه مؤكداً أن هناك بعض الأمراض التي تصيب الأم أثناء الحمل وهي تلعب دوراً مهماً في تشوُّه الجنين مثل الأمراض الفيروسية كالحصبة الألمانية و(داء القطط) فهي تتسبب في تشويه الجنين خاصة إذا أصيبت به الحامل في الثلاثة أشهر الأولى بالإضافة إلى تعرُّض الحامل للاشعاعات المختلفة وبالأخص الأسلحة المستخدمة لتدمير البشرية مثل اليورانيوم الذي يستخدم في الحروب ويكون موجوداً في التربة لسنوات طويلة يكون سبباً في التشوهات الخَلْقية للأجنة. ويضيف دكتور (وهيب) بأن سوء التغذية في الشهور الأولى يعيق الخلايا النامية في المراحل الحرجة من التطور وأيضاً على المرأة الحامل تجنُّب تناول عقاقير طبية بدون استشارة الطبيب. وعن إسقاط الجنين المشوُّه يقول الدكتور: إننا لدينا قاعدة فقهية في نفس الوقت وهو أنه لا يجوز شرعاً إسقاط الجنين إلا إذا كان يهدد حياة الأم أو كان الحمل في الأربعين يوماً الأولى أو إذا كان ميتاً في الرحم. { رأي الدين وفي سياق متصل يؤكد البروفيسور محمد عثمان صالح الأمين العام لهيئة علماء السودان أنه إذا تبيَّن وجود تشوُّه في الجنين فإن الأمر يرجع إلي لجنة من الأطباء (المؤتمنين) الذين يؤكدون بأن الطفل مشوّه أو ناقص، ويشدد فضيلته على (الجنين المشوّه) يجب إسقاطه في عمر (120) بعد إجماع لجنة الأطباء على (تشوُّهه) كما يمكن إجهاض الجنين إذا كان في الشهر السادس أو السابع مثلاً بعد أن يتبين أنه على درجة عالية من التشوُّه، إذا كان دماغه خارج الرأس مثلاً أما غير ذلك فلا يجوز الإجهاض.