الحراك داخل الحزب الشيوعي بدءاً باستقالات الحرس القديم ورفضها والتقارب الذي تشهده العلاقة بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحزب الشيوعي وبالذات المشاركة الواسعة لكوادره في انتخابات جنوب كردفان التكميلية مما حدا بمرشح المؤتمر الوطني مولانا أحمد هارون إلى اتهام الحزب الشيوعي بإدارة هذه الجولة من الانتخابات نيابة عن الحركة الشعبية، وقد تم تطبيق تكتيك وأساليب اليسار بشكل واسع لدرجة أن قياديات داخل الحركة الشعبية اتهمن ياسر عرمان باستجلاب كوادر نسائية من الخرطوم ظهر منهن نوع من التبرج والخروج عن أعراف المنطقة وقيمها وطريقة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، فيكشف كل ذلك ترتيبات تجري في الظلام ليرث الحزب الشيوعي قطاع الشمال بالحركة الشعبية ويبني عليه إستراتيجيته للعمل السياسي والعسكري مستقبلاً. تعود علاقة الحزب الشيوعي بالحركة الشعبية إلى عقد الثمانينيات من القرن السابق في ظل الديمقراطية الثالثة وقد خسرها الحزب الشيوعي وتلاشت حظوظه السياسية وقد كانت القراءات تشير إلى تطور كسب الإسلاميين وأن المستقبل السياسي لهم في ظل تراجع حظوظ اليسار مما جعله يدفع بكوادره نحو الحركة الشعبية مستفيداً من كوادره من الجنوبيين الذين انضموا إلى الحركة منذ وقت مبكر وقد ظلت العلاقة طيبة بين الحزب الشيوعي والحركة الشعبية أثناء الحرب، وقد شكل الحزب الشيوعي مصدر دعم سياسي للحركة الشعبية داخل الجامعات وفتح لها ثغرات واسعة مكنت الحركة من الاتصال بعدد من الدول العربية، وكذلك أتاحت لهم كوادر اليسار في الإعلام العربي مخاطبة العالم والمواطن السوداني مما ساعد الحركة في الترويج لأفكارها وبث سمومها. الوجود المقدر لكوادر الحزب الشيوعي داخل كيان الحركة الشعبية وعلى قمة ذلك منصب الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية الذي شغله الكادر الشيوعي ياسر عرمان قد أسهم كل ذلك في تمرير الخدعة الأساسية والإستراتيجية للحركة الشعبية التي تقوم على أنها حركة قومية ووحدوية تعمل من أجل السودان ولا تفكر مطلقاً في الانفصال وهي خدعة لعمري انطلت على الجميع بمن فيهم الشيوعيون وقيادات بارزة في المؤتمر الوطني كانت تأمل في الوحدة وبدأت تعمل لها ولكن رويداً رويداً يتكشف ما كان بالأمس خافياً، وحتى بعد أن افتضح كل شيء واصل اليساريون مسيرتهم الداعمة للحركة الشعبية ولكن بدأت تظهر لهم أجندة أخرى تتصل بالتحول الجذري والسباحة بهذه الجماهير التي تحتشد لدى كوادرهم في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان نحو منصة الحزب الشيوعي بدءاً بخدمة الأهداف والأجندة، ثم تتصاعد وتيرة الاندماج حتى تصل إلى التطابق على خلفية شعارات التهميش ومناهضة الاستعلاء الثقافي والإثني واتباع سياسة شد الأطراف، لا سيما أن للحزب الشيوعي وداً قديماً مع الحركات العنصرية والجهوية، وأحياناً يركب موجتها لتحقيق أهدافه، وقد رفدت هذه الأطراف وبؤر النزاعات والصراعات الحزب الشيوعي بأعداد مقدرة من كوادره وقياداته. ليس بين يدي معلومات مؤكدة حول هذا الاتجاه داخل الحزب الشيوعي الذي يخطط ليرث الحركة الشعبية باعتباره (الابن) الوحيد لها، ولكن أمامي مؤشرات واضحة وقراءات جيدة لتاريخ الحزب وأسلوبه وتكتيكه ومعرفة بكوادره الذين انضموا في فترات مختلفة إلى الحركة الشعبية والآن وبالرغم من الفتور الذي شاب هذه العلاقة بالذات مع الحرس القديم الذي لم يجد بداً من تقديم استقالته وهو يفقد السيطرة على الحزب وليس في يده مال أو نفوذ أو سلطان ويجابه في ذات الوقت ضغوطاً من الشيوعيين داخل الحركة وهم يملكون المال والسلطان وقد استقطبوا بهما كوادر كثيرة مؤثرة من داخل الحزب الشيوعي وبدأوا يؤثرون على سياسات الحزب وقراراته، ولذلك لا أستبعد أبداً أن تكون لتلك الاستقالات علاقة بقطاع الشمال وحالة التخلّق التي تجري وستنتهي بسرقة جماهير تلك المناطق لصالح الحزب الشيوعي وإنقاذه من حالة الموت السريري التي هو عليها الآن. و لذلك ليس بمستبعد أن يعود عرمان زعيماً للحزب الشيوعي خلال الثلاث سنوات القادمة بالرغم من التحديات الكبيرة التي تجابه عرمان ما بعد التاسع من يوليو القادم وعلى رأس هذه التحديات الطموحات الشخصية لكل من مالك عقار والحلو وبقية قيادات جبال النوبة داخل القطاع بالإضافة إلى تحد أكبر يتصل بالسيطرة على جماهير تلك المناطق وخداعهم لصالح برنامج الحزب الشيوعي، ومن التحديات انقسام الشيوعيين على عرمان ورفاقه من قيادات القطاع وقبول الشيوعيين بهم كقيادة جديدة للحزب الشيوعي، ولذلك فإن التوجهات الجارية تنطوي على مخاطرة ومجازفة شبيهة بذات المخاطرة التي بدأ بها عرمان مسيرته مع الحركة الشعبية، ولكن هل في كل مرة تسلم الجرة؟؟