تزايد الاستياء الشعبي إزاء قطوعات المياه التي لم تكن حكراً على منطقة «بري الشريف» فقط، أو «الأمبدات»، ولكنها شملت مناطق متفرقة في العاصمة، وأمس القريب فقد أهالي «العزوزاب» صبرهم وانضموا إلى ركب المتظاهرين احتجاجاً على قطوعات المياه، والحارة السابعة في الثورة لا تشرب من «ماسورة» منذ شهر، وما أدراك ما «الثورة».. وهناك العديد من أحياء العاصمة تواجه المعاناة نفسها، لكن لأن بعض ساكنيها هم من يدعمون أو يشاركون في السلطة، فإنهم يفضلون التستر على عوراتها في ما يتعلق بفشل الحكومة بإيفاء تقديم هذه الخدمة مدفوعة القيمة. لن يصدق أحد أن أزمة المياه، ب «فعل فاعل»، ولن يقتنع أي شخص بأن «بلوفة» الخرطوم تقفل عمداً بتوجيه من سكرتير الحزب الشيوعي، محمد إبراهيم نقد، كما عكس ذلك «كولاج» ذكي لمحرر صفحة «ونسة» في صحافة الجمعة، ولن يقبل عطشى الأحياء تبرير والي ولاية الخرطوم، الدكتور عبد الرحمن الخضر، بأن المشكلة في إحلال الشبكات والخطوط التي تحتاج إلى (400) مليون دولار، أو أن خزانة الولاية لا تستطيع تحمل هذه التكلفة. { لماذا؟ لأن الدكتور عبد الرحمن الخضر هو الذي صرح، بعد انتخابه والياً على ولاية الخرطوم، بأن أولوياته تتمثل في توفير المياه الصالحة للشرب، وهو الذي وضعها على سلم أولويات موازنة الولاية للعام 2011م التي أجازها مجلس وزرائه، وفيها بلغت جملة الإيرادات المتوقعة (2,119,879,759) جنيهاً مقارنة ب(1,827,547,270) جنيهاً للعام 2010م بنسبة زيادة بلغت (16%)، وتم تخصيص (1,850) مليار جنيه أي (58%) من الإيرادات لمشاريع التنمية بالولاية، بالإضافة إلى المبالغ المرصودة كودائع في البنوك لمقابلة التزامات التنمية. ولذلك فإن الحديث عن عجز مالي يستحق التساؤل، فقد بدا أن حكومة الولاية «مالية يدها» من إمكانياتها المالية حتى إن مجلس الوزراء قال إن خدمات المواطنين ستستمر بصورة طبيعية ولن تتأثر بمآلات الاستفتاء القادم «انفصال الجنوب». وحسب خريطة طريق الموازنة، فإن خفض الصرف على الوظائف الدستورية، وتخفيض استحقاقات الدستوريين، وخفض بنود الوقود وصيانة العربات، وإيقاف شراء العربات الجديدة؛ ينبغي أن يعكس أموالاً وفيرة إضافية لموازنة الولاية المجازة، لا تحتاج بعدها الولاية إلى الاستدانة لتأهيل شبكات المياه المتهالكة في أحياء العاصمة. ويؤكد ما ذهبنا إليه؛ أن والي الخرطوم أكد في أكثر من مناسبة أن جملة من المشروعات مدرجة في الموازنة في قطاع المياه، حيث سيتم إحلال (60%) من شبكات المياه، وإكمال محطات مياه أبوسعد، وتعدى الأمر إلى أن الموازنة كفيلة بالشروع في تنفيذ الصرف الصحي لمدينة بحري ومنطقة كافوري. وغير هذه الأموال، هناك عقود أبرمتها هيئة مياه ولاية الخرطوم لتمويل محطات مياه نيلية، وشبكات جديدة بولاية الخرطوم، بتكلفة تبلغ (100) مليون دولار، وذلك بتاريخ 6 يونيو 2010، حيث وقعت هيئة مياه ولاية الخرطوم مع مجموعة من الشركات على عقود لتمويل محطات مياه نيلية وشبكات مياه جديدة، بحضور والي ولاية الخرطوم، الدكتور عبد الرحمن الخضر، في إطار خطة الهيئة لتحسين الإمداد المائي، وتنفيذاً للبرنامج الذي اعتمده والي الخرطوم، ويهدف إلى توفير الإمداد المائي، كمّاً ونوعاً وكيفاً، للمستهلكين. وأكد الدكتور عبد الرحمن الخضر لدى مخاطبته جلسة التوقيع بمباني الوزارة، على إنفاذ ما وعد به المواطنين، وفق ما جاء في برنامجه الانتخابي، مؤكداً أن من أول أولويات الولاية الالتزام الجاد بتوفير المياه الكافية والنقية والنظيفة والدائمة للمواطنين. وأشار الوالى إلى أن توقيع عقد لرفع إنتاجية مياه «بري» من (23) ألف متر مكعب، إلى (150) ألف متر مكعب؛ يعتبر إضافة حقيقية لزيادة اطمئنان المواطن من حيث إمداد المياه، بالإضافة إلى المحطة المدمجة التي وفرت حوالي (66) ألف متر مكعب، وتعمل على تنقية وتوزيع المياه في الشبكة، لتوزيعها على القرى التي بها مشاكل في المياه، مؤكداً التزام الهيئة بإحلال كامل لشبكة مياه الخرطوم خلال مدة لا تتجاوز (24) شهراً، عازياً مشكلة المياه الأساسية في الولاية إلى الشبكات القديمة وتوزيعها دون دراسة علمية، مشيراً إلى السانحة التي منحت لهيئة مياه ولاية الخرطوم للتوزيع السليم للشبكة وتوفير الملفات. ومن المفترض أن تقوم بالتنفيذ والتأهيل شركة «تاجتر» الإنشائية بالتعاون مع شركة «بيوماك» التركية، بالإضافة إلى توقيع عقد مع شركة «كاست فيلم» الإسبانية لتنفيذ (10) محطات مياه نيلية مدمجة، لإنتاج (66) ألف متر مكعب في اليوم، لتمد مناطق شمال المطار الجديد ب(25) ألف متر مكعب، وتضخ (15) ألف متر مكعب للصالحة، و(15) ألف متر مكعب للعيلفون، و(5) آلاف متر مكعب للمحس والقرى المجاورة، و(6) محطات لريفي شمال أم درمان، بجانب التوقيع على اتفاقيات مع شركات سودانية لتمويل وتنفيذ شبكات بالولاية، بحوالي (86) مليون جنيه سوداني، تشمل مناطق الثورات، والأزهري، والفتح، في محلية أم درمان، ودار السلام، وحي النصر، والطائف، والحماداب، والجريفات، وقرى الكلاكلات، وجبل أولياء، وشرق النيل، والمهندسين، والخرطوم (2)، والخرطوم (3)، والحلة الجديدة، والقوز، والرميلة، والسلمة جنوب، والسلمة شمال؛ يتم تنفيذها في مدة لا تتجاوز ستة أشهر. لكننا الآن في العام 2011م، وفي شهر مايو، أي مضى أكثر من خمسة أشهر من الوقت المحدد لتنفيذ عقود المياه. وغير تلك الأموال القادمة من شركات التمويل، فإن جملة المبالغ المتحصلة بعد زيادة مبلغ (5) جنيهات رسوم تجديد الشبكة، هي حوالي (2319.475) جنيه، حسب بيانات جاءت في خطة لهيئة المياه تهدف إلى تحقيق الاستقرار المائي بالولاية، وذلك الحساب يعتمد على أن عدد المشتركين (438717) حتى العام 2008م. ولمزيد من التفصيل، فإن تعريفة المياه المعتمدة لدى هيئة مياه ولاية الخرطوم تعود بكثير من الأموال، حيث تحسب وفقاً لتعريفة الدرجات، وتجمع من القطاع التجاري والاستثماري والحكومي، وحسابات الدفع المقدم، وهي الحسابات التجارية والصناعية والسكنية ذات الاستهلاك العالي، التي تحاسب بقراءة العداد. وتوجد تعريفة خاصة بالكافتريات الصغيرة ونقاط الحريق ودكاكين الغسالين والمشاتل والورش الصغيرة والأفران البلدية، وحتى الأكشاك لا تسلم من دفع رسوم المياه. والأكثر إثارة، أن هناك أموالاً من المانحين (مفوضية الاتحاد الأوروبي)، فقد اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي مبلغ (250) مليون يورو، في العام 2004، لخدمة المياه، و(250) مليون يورو أخرى، في العام 2005. مع كل هذه الجهود والخطط والمشروعات والأموال، يبقى من المهم التساؤل: لماذا لم يروَ عطش أحياء الخرطوم؟