نظَّم مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بمقره بأم درمان بالتعاون مع المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون قراءات نقدية في رواية (فركة) للأستاذ طه جعفر وهي الرواية الفائزة بالمركز الأول مناصفة مع رواية (قونقليز) لهشام آدم ضمن مسابقة الطيب صالح للرواية التي يُنظِّمها المركز، حيث قدّم فيها كل من الدكتور أحمد الصادق والروائي هشام آدم أوراقاً نقدية في ما أدار الجلسة الدكتور مصطفى الصاوي وذلك وسط حضور كبير من المثقفين. { فركة مواقف سردية وآفاق ملحمية الدكتور أحمد الصادق في ورقته النقدية التي جاءت بعنوان «فركة مواقف سردية وآفاق ملحمية» قدم فيها قراءة سياقية للنص متناولاً محورين هما الموقف السردي وهو استصحاب الكاتب لموقف من التاريخ، والثاني هو الأفق الملحمي في انفتاح النص مع التاريخ، وانطلق الدكتور أحمد الصادق في تحليله لهذه الرواية من دراسة المرحوم النور عثمان أبكر في الرواية السودانية وعلى حسب قول الدكتور أحمد الصادق إن الدراسة أشارت إلى أحلام الرواية وتطورها في المستقبل، وأكد اتفاقه مع النور عثمان أبكر مشيراً إلى أنها كانت لحظة فارقة جداً في تاريخ الرواية السودانية، وقال بدأ الانفتاح الحقيقي من رواية أبوبكر خالد «بداية الربيع» وفي رواية «إنهم بشر» لخليل عبدالله الحاج ثم أتى جيل الطيب صالح وإبراهيم إسحاق، وأصبحت الرواية منفتحة على الفضاء الاجتماعي. ويرى أن «فركة» تعزف في وتر تيار الكتابة السردية وقال إن العنوان حمل عدة دلالات أولاً أنه صار شفرة سردية اشتغل عليها الكاتب طه جعفر بهمة وانفتح بها على التاريخ، ثم تكثيف حالة العنف كبنية مهمينة على النص مشيراً إلى تقاطعات السلطة وعلاقاتها المعقدة، هذا إلى جانب تعدُّد صيغ السرد واللغة، فضلاً عن الأسلوب الذي جاء متماسكاً في إيقاع سردي محفِّز للقارئ ويحيل إلى المواقف السردية التي حملها النص واتخاذها لأفق ملحمي كبير، وذلك بما يشبه نفض الغبار كما في «حكاية البنت ميكايا» لإبراهيم إسحاق. وذهب الدكتور أحمد الصادق إلى القول إن الكاتب طه جعفر عمد إلى تحوير التاريخ سردياً وذلك بفك مغاليق «فركة» وتسييج علاقات السلطة والاشتغال على نقد العنف المنهجي وكشفه من خلال السرد، هذا إلى جانب أن الكاتب قد حوّر هذا التراث «الرق» إلى نص سردي. وعن أهم دلالات هذه الرواية أن الكاتب أراد أن يفتح هذا النص إلى أكثر من مستوى منها مستوى الذاكرة والتاريخ، والإنسان وعلاقاته مع بنية مجتمعية متعددة الثقافات واللهجات والألسن واللغات، وكان وعي هذه الرواية أكثر بالتقاطها للسان العربي. وطرح الدكتور أحمد الصادق سؤالاً مفاده «إلى أي مدى نجح الكاتب في كشف العنق»، وقال إن نص «فركة» هو النص الوحيد الذي تحرّر من أزمنة السلطة، وأطلق عليه اسم «دراما سردية راقصة» من خلال تطور الإيقاع السردي، وصنع الكاتب لعوالم سردية مدهشة بعناية فائقة، وأضاف أن الرواية شهدت تحوُّلات مجتمعية كثيفة جداً، وكان هنالك وعي بالمكان الذي انطلقت منه الرواية. وخلص الدكتور أحمد الصادق إلى القول إن الكاتب طه جعفر في هذا النص سعى إلى تسكين الفضاء الاجتماعي و«فركة» كنص حقّق كشوفات وفتوحات في الكتابة السردية في السودان. { الواقعية السحرية يرى الأستاذ هشام آدم أن رواية «فركة» تتناول قصة محددة وهي «الرق» في السودان، ثم تطرّق إلى الفضاء الزماني والمكاني لهذه الرواية وقال أنا في دراستي النقدية التي نشرتها في صحيفة «أجراس الحرية» لم أتعاطف مع «فركة» كشخصية لسببين، الأول هو أن «فركة» لم يقع عليها أي ظلم نفسي أو عنف جسدي غير هذا القيد الذي يربط رجليها، والأمر الثاني هو أن «فركة» لم يكن لها أي استعداد لتغيير الوضع بل كانت مستكينة تماماً لعملية الرق، وأكد أن هذه الرواية جميلة ومُحبطة في نفس الوقت، وهذا الإحباط ناتج عن استعجالها للنهاية، وأما في ما يتعلق بجمالها أنها زاخرة بالتوصيفات الدقيقة للشخصيات والأمكنة، وكشف هشام أنه من عيوب هذه الرواية أن الكاتب استمال في وصف الشخصيات ذات الأدوار الضعيفة غير الفاعلة، وكذلك فارق الزمن في بعض الأحداث، هذا بالإضافة إلى أن اسم «فركة» اسم عربي. أما في حديثه عن الحبكة قال إنها قوية ومتماسكة وأن الكاتب طه جعفر سلك تكنيكاً جيداً بالسير بالأحداث ومقدرته الفائقة بمسكه لحبال الحكي، هذا إلى جانب أن الرواية ناقشت قضية إنسانية كبيرة استطاعت توصيلها بطريقة سردية رائعة فيها نوع من الواقعية السحرية. وفي مداخلات الحضور أكد الأستاذ عز الدين ميرغني (تاريخانية) الرواية وقال هنالك راوٍ عليم يتجول في المكان والتاريخ وأن الكاتب ركّز على تقنية الإقناع المنطقي ولكنه فشل في بعض الجوانب، وأضاف أن «فركة» اشتغلت على الخطاب النوعي مما جعلها قابلة للتصديق، هذا إلى جانب أنها كُتبت بطريقة حداثوية فيها فلاش باك، وأما من عيوب هذه الرواية هو اختيار الكاتب لأسماء حقيقية وإقحامها في النص. وأبدى الأستاذ نادر السماني عدداً من الملاحظات على ورقتي الدكتور أحمد الصادق والأستاذ هشام آدم في مسألة «نقد النقد» فقال إن الدكتور أحمد الصادق لم يسُق أي تبريرات منطقية في تحليلاته النقدية خاصة في ما يتعلق بدلالات العنوان، وأضاف أن هنالك الكثير من الشخصيات لم يكن لها أي دور بارز، وكذلك الحوارات في بعضها شهد نوع من التقاطعات ما بين الفصحى والدارجة وأكد الأستاذ نادر أن الرواية عموماً تزخر بلغة شاعرية جميلة. في ما اختلفت الأستاذة إلهام عبدالخالق زوجة الكاتب طه جعفر مؤلف الرواية مع هشام آدم في ما طرحه حول شخصية «فركة» وقالت إن «فركة» لم تقابل هوى وتوقُّعات وطموحات هشام آدم، وكذلك اختلفت إلهام عبدالخالق مع الأستاذ عزالدين حول الأسماء الحقيقية في الرواية كاسم «المك» وترى أن هذه الأسماء مفتوحة على الأزمنة والأمكنة المختلفة.