الشعر فن .. والنثر أيضاً .. والإنتاج النثري أغزر من الشعر. فكل العلوم الطبيعية ومنها الكيمياء والفيزياء والطب تُكتب بالنثر وتُكتب بالنثر أيضاً كل العلوم الإنسانية ومنها التاريخ والفلسفة والسياسة. ولذلك ليس تقليلاً من الشعر أن يُقال إن النثر أفيد من الشعر! وإن الجنس البشري في كل هذا الذي وصل إليه وتقدم وتطور مَدين للنثر أكثر مما هو مَدين للشعر ورغم ذلك فإن بعض الشعر أكثر ذيوعاً من كثير من النثر .. وبعض الشعراء أكثر شهرة من كثير من الناثرين. فالمتنبي مثلاً أشهر من الجاحظ. وفي النثر نجد أن النثر الإنساني أو الاجتماعي أكثر جاذبية من النثر العلمي الطبيعي وأن أهله أكثر شهرة من نظرائهم أهل العلوم الطبيعية. وفي الآونة الأخيرة ولأسباب منها ظهور النت والفضائيات أصبح هؤلاء الأخيرون يحققون درجة عالية من الشُّهرة ولكن مازال الروائي الراحل نجيب محفوظ أكثر شُهرة من العالم الكيميائي الفيزيائي أحمد زويل .. والاثنان مصريان حصلا على جائزة نوبل. إن الشاعر كما قُلنا في كثير من الأحيان أكثر شهرة من الناثر.. والناثر الذي يكتب في العلوم الإنسانية في أحيان كثيرة أكثر شهرة من ذلك الذي يكتب في العلوم الطبيعية، فهي على ارتفاع أهميتها وقيمتها لا يقرأها إلا المتخصصون. والشعراء والناثرون يؤدون دورهم في هذه الحياة ومن المستحيل أن يخلو منهم أي وطن من الأوطان في أيّة مرحلة من مراحل تاريخ هذا الوطن.. وإذا كان هناك شعر جميل يستحق، فهناك نثر جميل يستحق. ولذلك فإن الذي يُقيِّمون الشعراء وإبداعاتهم أيّاً كان شكل ذلك التقييم، مطالبون بتقييم الناثرين وإنتاجهم. وفي البلد شعراء يحفظ قصائدهم كثير من الناس من فرط إعجابهم بها مع ملاحظة أن ذلك الإعجاب ما كان له أن يتم بالشكل الذي تم به لولا أن تلك القصائد لحّنها وغنّاها فنانون في مستوى الكاشف وعثمان حسين ووردي والكابلي وزيدان ومحمد ميرغني وابن البادية والبلابل و.....الخ لقد حصلت القصيدة السودانية على تلك الدرجة الرفيعة من الإعجاب بمناصرة عوامل مساعدة هي التحلين والغناء، ثم إننا شعب مُحب للغناء وكثير من أفراده يجيدونه رغم أنهم لايحترفونه. أما الكتابة النثرية فإنها عمل فردي بحت .. ومن الممكن أن تؤثر على قيمتها سلبياً أو إيجاباً بعض الظروف وهي ظروف سياسية في مجملها رغم أنها قد تكون بعيدة عن السياسة. إننا نعشق الشعر وتطربنا قراءته والاستماع إليه.. والنثر أيضاً وإذا كان الشاعر العقّاد قال: والشعرُ من نفس الرحمن مُقتبسٌ والشاعرُ الفذُّ بين الناس رحمان فإن مالم يقله الناثر العقّاد هو: والنثر من نفس الرحمن مقتبس والناثر الفذُّ بين الناس رحمان