قرأت بالأمس أنه وردت معلومات في بعض المواقع الإلكترونية السودانية عن خبر مفاده أن هناك علاقة للمخابرات المصرية بزيارة د. حسن الترابي الأخيرة إلى مصر، وأنه كان هناك مندوبون لهذه الأجهزة في استقبال الأمين العام للشعبي بمطار القاهرة وأنها عقدت اجتماعاً مطولاً معه داخل قاعة كبار الزوار، حرصا من المخابرات المصرية على إنجاح الزيارة، بهدف الحصول على معلومات عن الإسلاميين وعن الأوضاع في السودان من شخصية مهمة مثل الترابي وحزبه بعد أن كانت معلوماتهم تصل فقط من أحزاب التجمع المعارض. هذا الخبر إما فبركة إعلامية من وسائل إعلام غير ناضجة لا تهمها الحبكة إذا كانت تريد الفرقعة الإعلامية، وترى أنه ليس عيبا أن تفبرك خبرا، ولكننا نرى العيب في أن تستخف بعقول الناس، فأي منطق يقول هذا الحديث، ومصر هذه الأيام تعيش حالة استثنائية على مدى عصرها، وكل تركيزها منصب على الوضع الداخلي الخطير، وليس هناك أي تفكير من هذا النوع الخبيث ولا حتى ننتظره لسنوات قادمة، والحقيقة أن وفد المؤتمر الشعبي الذي كان يمهد لزيارة أمينه العام الدكتور حسن الترابي إلى القاهرة قد نسق مع السلطات المصرية لدخول الشيخ الذي كان ممنوعا من دخول مصر 23 عاما، وكان يستوجب ذلك مثل هذا التنسيق، وعندما أتى الترابي إلى مطار القاهرة كان في استقباله وفد من المخابرات المصرية فعلا، والغريب أن بعض الصحف السودانية طلعت علينا بعدها أن المخابرات المصرية تحتجز الترابي بالمطار ثلاث ساعات، فكيف خططت المخابرات لقدومه ولماذا تحتجزه؟! وإذا افترضنا أن هذا الخبر قد سرب من السلطات السودانية لوسائل الإعلام للتشويش على الزيارة التي يرى المراقبون أنها قد حققت نجاحا غير متوقع فهذا أيضا غباء لأن هذا الطرح سيظهر ارتباك الخرطوم من هذه الزيارة، وأيضا سيعمل على توتر الأجواء مع مصر الثورة، فهذا الخبر يتهم مصر الجديدة بأنها لم تختلف عن مصر القديمة، وأن مصر البوليسية مازالت موجودة ولم تتغير، ولا أظن أن الخرطوم بهذا الغباء ومن غير الممكن أن تعطي هذا الاهتمام لزيارة انتهت، وتجاوزتها الأحداث على الساحة المحلية والإقليمية، وأية محاولة للتشويش عليها الآن ما هي إلا تأكيد على نجاحها مرة أخرى. وإذا سرحنا بخيالنا أكثر وأكثر وأرى أن هذا هو المغزى من الخبر أن نتوه في دوامة من التحليلات والتفسيرات فالتحليل الثالث هو أن يكون المؤتمر الشعبي نفسه قد روج لمثل هذا الحديث لتعكير صفو العلاقة بين القاهرةوالخرطوم، فربما يكون هذا التفسير منطقيا وربما يكون دربا من دروب الخيال الذي يهدف إليه الخبر. على أية حال إذا كان الخبر فبركة إعلامية أم تسريبا أمنيا أقول إن مصر لم تعد مصر الأمنية وهناك أحداث خطيرة في مصر الآن تجعلها تركز في أمنها الداخلي، ولن أقول أنها لا يعنيها الخارج الآن، ولكنها منشغلة بما هو أهم لديها، وحتى لو افترضنا صحة هذا الخبر، وأن المخابرات المصرية أرادت استدراج الترابي للحصول منه على معلومات فهذا حديث مضحك فالمخابرات المصرية ليست بهذه السذاجة، والترابي ليس بهذه السهولة وكلنا يعرف ذلك جيدا عن المخابرات المصرية وعن الترابي. ورمضانكم كريم.