{ في العام 1987م، خرجت مئات الآلاف من مواطني النيل الأزرق لاستقبال السيِّد «محمد عثمان الميرغني» زعيم الحزب الاتِّحادي الديمقراطي ومرشد الطريقة (الختميَّة)، عقب تحرير منطقتي «الكرمك» و«قيسان»، رغم أنَّه - السيِّد - لم يكن يشغل منصباً دستوريَّاً في الدولة، فقد كان شقيقه الراحل «السيِّد أحمد» رئيساً لمجلس رأس الدولة، بينما كان السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء. { هتفت الجماهير يومها ل (مولانا) وهي تردِّد: (حرَّرت الكرمك.. يا عثمان)..! وبثَّ تلفزيون السودان وقتها صور الاستقبال الخرافي للسيِّد «محمد عثمان الميرغني»، حيث ما زالت ذاكرتي تختزن تلك المشاهد منذ أن كنتُ طالباً بالمدرسة الثانويَّة. { مولانا «الميرغني» استغل علاقات الاتحاديين التاريخية التي وطَّدها الراحل الشريف «حسين الهندي» مع العراق في زمن الرئيس «صدام حسين»، فأرسل «صدام» سرباً من الطائرات الحربيَّة لإسناد الجيش السوداني في ذروة (الديمقراطيَّة الثالثة)، وتمَّ تكريم الطيَّارين العراقيين، الذين نقلوا السلاح للسودان، في جنينة السيِّد «علي الميرغني» بشارع النيل بالخرطوم. { دكَّ الطيران الحربي حصون (الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان) في «الكرمك» و«قيسان»، وتحررَّت المنطقتان، وفرت فلول الجيش الشعبي بقيادة «مالك عقار» وآخرين إلى داخل الأراضي الإثيوبيَّة، ثم وصل «الميرغني» إلى هناك فاستقبلته الجماهير استقبال الفاتحين..!! { لم يقل أحدٌ من ديمقراطيي الحزب الاتِّحادي، ولا حزب الأمة، ولا الحزب الشيوعي، يومها: (لا بدَّ من وقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض)، ولم يُدن أحدٌ من عتاة الديمقراطيين إسناد «العراق» الشقيق لقواتنا المسلحة السودانيَّة الباسلة، فالموقف الصحيح كان تحرير «الكرمك» أوَّلاً، ثم التفاوض. { وهذا ما حدث بالضبط.. تحرَّرت «الكرمك» و«قيسان»، ثم وقَّع «الميرغني» اتفاقاً مع «جون قرنق» في العام 1988م.. رفضه (حزب الأمة)، شريك الائتلاف الديمقراطي الحاكم..!! { الآن.. يجب أن يصمت الأستاذ «كمال عمر» المحامي، القيادي بالمؤتمر الشعبي، والدكتورة «مريم الصادق المهدي» القياديَّة بحزب الأمَّة، والأستاذ «صديق يوسف» القيادي بالحزب الشيوعي السوداني، وزملاؤهم في (تحالف المعارضة)، إلى أن تحرِّر القوات المسلحة السودانيَّة «الكرمك» في جنوب النيل الأزرق - (قيسان محرَّرة هذه المرة) - و«كاودا» في جنوب النيل الأزرق، تماماً كما حدث في عهد (الديمقراطيَّة الثالثة)، ثمَّ من بعد ذلك يأتون ليحدِّثوننا عن الحوار والتفاوض ووقف إطلاق النار. { فأيُّ حديث عن وقف إطلاق النار - الآن - هو تخذيلٌ للقوات المسلحة السودانيَّة التي ألقت القبض على رموز من (المؤتمر الوطني) بولاية النيل الأزرق، لتؤكِّد أنَّها (قوميَّة)، وأنَّها لا تفرِّق بين (وطني)، و(شعبي) و(حركة).. هذا ما رأيته بأمِّ عيني في «الدمازين» قبل ثلاثة أيام.. { لا مساحة، ولا مجال اليوم، لأيِّ (معارضة) إلا معارضة التمرُّد العسكري الغاشم في جنوب كردفان، والنيل الأزرق.. لا حوار.. ولا تفاوض.. ولا قطاع شمال.. { هذا هو رأي الشارع السوداني (غير المنتمي)، فانزلوا إلى عامَّة الناس واسألوهم: (هل أنتم مع القوات المسلحة، أم مع «مالك عقار» و«ياسر عرمان» و«عبد العزيز الحلو»؟!) اسألوهم وسجلوا الإجابات.. وارصدوها.. وحلِّلوها.. ثم من بعد ذلك اتِّخذوا المواقف، فإنَّه يبدو لي بما لا يدع مجالاً للشك أنَّكم -(المعارضة) - فقدتم اتِّجاه الشارع الصحيح، ولهذا عجزتم عن تحريكه وتوجيهه لخدمة الأجندة السياسيَّة. { أرجو أن تصمتوا عن ترديد هذه (السخافات) المكرورة، واستحوا من أن تظلوا مطايا، مَستَحْمَرين ومَستَعْمَرين من العنصريين والعسكريين الأميِّين في (الجيش الشعبي) من «جوبا» إلى «كاودا».. إلى «الكرمك»، فإنَّ الحكومات لا تسقط هكذا.. ولكنَّكم لا تعلمون.. ولا تعلمون أنَّكم لا تعلمون. { ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.